«ترامبي» في أوروبا؟ (1-2)

01:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
فاز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة. تقييم الأداء عموماً لا يصب في مصلحته وهنالك تحرك لنائب الرئيس للترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة علماً أن الرئيس ترامب لم يعلن حتى اليوم أنه لن يحاول التجديد لنفسه في 2020. نائب الرئيس يعيش في ظل السلطة الرئاسية ويجب أن يظهر الولاء الدائم للرئيس، وكما يقول الأمريكيون «دوره يبدأ عندما يتوقف قلب الرئيس عن النبض». إنشاء لجنة باسم نائب الرئيس لجني التبرعات لا يعني بالضرورة ترشحه للرئاسة، إنما يشير إلى أن الجمهوريين بدؤوا منذ اليوم التفكير برئاسة 2020. فالجمهوريون كما الديمقراطيون يعيشون في ظروف صعبة نتيجة الأزمة الكورية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام أهمها في الصحة والهجرة إلى آخر الأمور منها العلاقات مع روسيا والصين والمكسيك وفنزويلا وغيرها.
المدهش المقلق أنه إذا أجريت الانتخابات الرئاسية اليوم بالقانون نفسه، سيفوز ترامب من جديد. هذا يعني أن من انتخبه في المرة السابقة ما زال يؤيده على عكس ما نشهد في دول أخرى كفرنسا حيث تهتز الأرض اليوم تحت ماكرون حقاً أو باطلاً، إلا أن الحقيقة واضحة. قاعدة ترامب الشعبية لم تهتز بعد بالرغم مما يجري في أمريكا ودولياً، والأسباب عديدة أهمها عدم رضى الأمريكيين عن أداء الحكومات في السنوات العشرين الماضية وبالتالي ما زالت فترة السماح للرئيس ترامب مستمرة وربما تمدد له. مؤيدو ترامب همهم اقتصادي بالرغم من أن البطالة في أمريكا وصلت إلى ما دون 5% وهذا يعتبر ممتازاً ليس فقط مقارنة بأوروبا بل حتى مقارنة بالماضي الأمريكي الطويل.
مم يشكو الأمريكيون؟ وبالتالي كيف يمكن إصلاح الأمور ليس فقط لاستبدال ترامب في سنة 2020 وإنما لتحسين الأوضاع في الداخل وربما تغيير أفكار ودوافع من انتخبه؟ تعاني أمريكا من ضعف كبير في الإنتاجية أي في نمو البحبوحة والغنى. التغيير الديمغرافي واضح وهو أن الهيكلية السكانية تشيخ كما أن هنالك انخفاضاً في عدد القوى العاملة. تسبب هذه الأمور مجتمعة تدنياً في إنتاجية الاقتصاد النابعة من عدد العاملين ومشاركة القوى الشابة في الإنتاج. تعاني أمريكا من فوارق كبيرة في الدخل حصلت نتيجة السياسات الاقتصادية الممارسة على مدى 3 عقود والتي عززت وضع الأغنياء وأضرت بالفقراء. من هذه السياسات، الفوائد المنخفضة التي خلقت مضاربات وبالتالي فقاعات في أسواق الأسهم والعقارات ما زال يعاني الاقتصاد منها. تدنت حصة العمال في الدخل الوطني 4 نقاط مئوية بين سنتي 2016 و 2000، كما تدنت حصة الطبقات الوسطى إلى أدنى مستوى لها منذ 30 سنة أو أكثر. ينتج عن كل ما سبق انخفاض نسب النمو مقارنة بما يجب أن تكون عليه، وهذا أزعج الأمريكيين فانتخبوا ترامب رئيسا.
هل الأوضاع مشابهة في أوروبا وبالتالي هل يمكن توقع في فترة قريبة ما انتخاب شبيه بالرئيس ترامب في إحدى الدول الرئيسية؟ الشبه ليس فقط في الخطاب لكن أيضا في السياسات والمواقف واللهجة وبالتالي في الأداء. تشير الأرقام إلى أن فجوة الدخل هي أدنى بكثير في أوروبا مما هي عليه في الولايات المتحدة كما أن معاملة الفقراء والطبقات الوسطى هي أفضل بكثير في أوروبا خاصة في ميداني الصحة والضمانات الاجتماعية. أوضاع الفقراء في أمريكا تعيسة ولا يمكن مقارنتها بأوروبا حيث للفقير كرامة أكبر واهتمام رسمي واضح وحقوق مضمونة. إن الانقسام السياسي في أمريكا أكبر وأوسع، ومهما بلغ الصراع السياسي في أوروبا فيبقى في هوامش أضيق وأقل مما يمنع حدوث مواجهات كالتي تجري علناً أو في السر في الولايات المتحدة.

لويس حبيقة
* كاتب اقتصادي لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"