أزمة الجمهوريين مع ترامب أو من دونه

05:46 صباحا
قراءة 4 دقائق
عاصم عبدالخالق

لم يحدث في تاريخ الحزب الجمهوري الأمريكي، أن وجد نفسه يحارب أحد نجومه الصاعدين، كما يفعل حالياً مع الملياردير الشهير دونالد ترامب. كلما ازداد توهج هذا المغامر القادم من عالم المال والمضاربات العقارية، اهتز الحزب خوفاً وهلعاً. لم يحدث أيضاً أن كان الحزب ممثلاً في قياداته وكوادره التقليدية يتحرك في اتجاه، بينما قاعدته ممثلة في الناخبين تتحرك في الاتجاه المضاد.
أساء قادة الحزب تقدير قوة الرجل واستهانوا به منذ البداية. توقعوا أن ينسحب قبل أن تبدأ الانتخابات التمهيدية، لكنه أصر على اقتحامها. ثم طمأنوا أنفسهم بأنه سيخرج مهزوماً بسهولة من الجولة الأولى، لكنه نجح. بل واصل النجاح مطيحاً بآمال رموز جمهورية كبيرة. وربما كان وقت الإطاحة به أو إيقافه قد فات فعلاً بعد انتصاراته في معركة الثلاثاء العظيم الأسبوع الماضي.
وسواء نجحت أو فشلت المحاولات الجارية لمنع ترامب من الفوز بالترشح لخوض الانتخابات الرئاسية، فسوف يدفع الحزب ثمناً سياسياً باهظاً. تمر المؤسسة الحزبية الجمهورية العريقة بأزمة حقيقية، يعتبرها البعض أزمة هوية أو إعادة ميلاد جديدة. وأياً يكن توصيفها، فإن ما يحدث كما يرى فورد أوكونيل المخطط الاستراتيجي للجمهوريين هو «أن الحزب يتغير كلياً أمام أعيننا سواء اخترنا ذلك أم رفضناه». بينما كان محلل شبكة «إيه بي سي» أكثر قسوة وصراحة، عندما اعتبر أن الثلاثاء العظيم هو التاريخ الرسمي لبداية انصهار الحزب أو ذوبانه.
هذه الأزمة لم ينشئها ترامب، لكنه أظهرها بفرض نفسه على الحزب، وهو من خارج كوادره التقليدية، ثم بانتصاراته المتوالية. ولا يملك الجمهوريون حالياً من الرؤية والقوة والتماسك، ما يجعلهم يخوضون حرب تكسير عظام مع شخصٍ بعناد ترامب، الذي اكتشف في نفسه متأخراً قدرات ومواهب سياسية فريدة لسوء حظ الحزب. أمّا إذا قرر الحزب خوض هذه المعركة بجدية، فسيكون ذلك هدماً للمعبد على رؤوس الجميع. ولن يفوز فيها إلّا هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية الأوفر حظاً.
تفسير ظاهرة الصعود المفاجئ والمستمر لترامب، تستدعي البحث عن نوعية ودوافع الناخبين الذي يمنحونه أصواتهم. لكن قبل ذلك، من الضروري التصدي للسؤال المطروح دائماً، وهو لماذا يشعر الحزب الجمهوري بالذعر من فوز هذا المرشح. السبب المباشر هي تلك العنصرية التي تقطر من تصريحاته الخرقاء، ومواقفه المتطرفة إزاء العديد من القضايا. ولا يكمن سبب الرفض الجمهوري لهذه التصريحات والمواقف، في أنها تتناقض مع القيم الأمريكية ومبادئ الحزب والدستور فحسب، لكن في ثقتهم بأن مرشحاً بهذه المرجعيات الفكرية والسياسية المشوهة، سيكون من السهل على الديمقراطيين هزيمته.
وتدعم استطلاعات الرأي هذا الاعتقاد، وآخرها أجرته «سي. إن. إن» وأظهر أن 57% من الناخبين لديهم انطباع سلبي عن ترامب مقابل 37% لديهم انطباع إيجابي. أما هيلاري فتبلغ نسبة من ينظرون إليها بشكل إيجابي 42% مقابل 55% انطباعهم سلبي.
معنى هذا أن شعبية ترامب بين ناخبي الحزب الجمهوري لا تعكس بالضرورة حجم شعبيته على المستوى العام. وهذا ما يطرح السؤال المهم حول من هم الذي يصوتون له داخل الحزب ولماذا؟.
الاعتقاد الشائع الذي تعززه نتائج الاستطلاعات هو أن الكتلة التصويتية الداعمة له تتكون أساساً من الذكور البيض أصحاب الدخول المنخفضة. ووفقاً لمجلة «أطلانتك» هناك فجوة كبيرة بين مؤيديه من الجنسين، حيث يحظى بدعم 47% من الذكور، مقابل 28% من النساء. وتحليل نتائج التصويت يوضح أنه كسب 50% من أصوات الناخبين الذين تقل دخولهم السنوية عن 50 ألف دولار، وهي شريحة محدودة الدخل بالمقاييس الأمريكية.
وتنقسم الكتلة التصويتية المساندة له عموماً، إلى أربع فئات كما حددتها المجلة. الأولى تضم غير الحاصلين على مؤهل جامعي، وهم أشد مناصريه نظراً لما يشعرون به من غضب وإحباط. وهناك دراسة تحمل اسم «مشروع هاميلتون»، تفسر ذلك حيث توضح أن معدل تشغيل هؤلاء بدوام كامل، وطوال العام انخفض من 76% عام 1990 إلى 68% في 2013، بينما زادت أجور حاملي الشهادات الجامعية في ربع القرن الماضي، فإنها تراجعت بالنسبة لتلك الشريحة التعليمية.
الفئة الثانية تضم المهمشين الذي يعتقدون أن أصواتهم لا تأثير لها، وألّا أحد يستمع إليهم، أو يكترث بهم. هؤلاء يرون في اختيار ترامب انتقاماً من المؤسسة الجمهورية بل النظام السياسي الأمريكي برمته. الفئة الثالثة تضم الكارهين للغرباء، والمهاجرين في طليعتهم بالطبع. وبالنظر إلى أن ترامب يقدم نفسه كعدو للمهاجرين، فقد استقطب أصواتهم بسهولة. أخيراً البيض المقيمين في مناطق تشهد اضطرابات عرقية. وطبيعي أن ينحازوا إلى ترامب بتكوينه العنصري. ما فعله ترامب في الواقع هو أنه قدم لكل فئة من هذه الفئات ما تحتاجه، وخاطبها بما تريد سماعه، عازفاً على أوتار مخاوفها أو أحزانها أو طموحاتها.
إجمالاً، كما تقول مجلة «كريستيان سيانس مونيتور»، فإن ترامب هو الرد الاحتجاجي، لمن فقدوا الثقة في النظام القائم. وهو المفضل بين المحبطين والمهمشين والغاضبين والخائفين من الإرهاب ومن المهاجرين. هؤلاء بأعدادهم الهائلة في كل أنحاء أمريكا، هم من يراهن عليهم ترامب. يفسر هذا لماذا يبدو قوياً وواثقاً من نفسه، رغم ضحالة أفكاره المشوشة أصلاً. لا يمكن أيضاً تجاهل نزوع الشعب الأمريكي تقليدياً إلى التغيير. وهي ورقة أخرى يلعب بها ترامب، الذي لا يمثل تجسيداً حياً للتغيير فحسب بل استثناء صارخاً لكل ما هو تقليدي ومعتاد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"