أطفال فقدوا الطفولة

فنجان قهوة
04:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

في إحدى قصص الأديب محمود الخطيب، يتجمع الأطفال حول قطة صغيرة، ويخططون لقتلها، فيقترح أحدهم إحضار سطل من الحليب لتشجيع القطة على الشرب منه، وعندما تفعل، يلقي الأطفال حجراً كبيراً على رأسها لكي ينهرس الرأس وتسيل الدماء وتختلط بالحليب، ويقول لرفاقه: حدثوني أن مزج الحليب بالدم يعطي لوناً جميلاً، فلنجربه . وأذكر أنني عندما قرأت القصة شعرت بضيق شديد، وقلت في نفسي: إن شقاوة الأطفال لا يمكن أن تصل إلى هذا الحد .

وفي الماضي، كنا نحسد الأطفال ونقول إنهم لا يعرفون الهموم، وإن قلوبهم متفتحة للحياة، وتنظر إليها بمنظار وردي، وتراها بألوان زاهية، ونعتقد أن الطفل لا يعرف الخديعة، ولا النفاق، ولم تضغط عليه الحياة وإنما تكشف له عن وجهها الجميل فقط . وكنا عندما نتحدث عن شخص مقبل على الدنيا، لا يعرف الحزن سبيلا إلى قلبه نشبهه بالطفل، أما الآن، فقد اختلفت الصورة، وقبل أن يلفظ القرن العشرون أنفاسه الأخيرة أورث أمراضنا النفسية لأطفالنا، وبات الطفل، حتى قبل سن الخامسة من العمر، يعاني مما يعاني منه الكبار من ضغوط، بما في ذلك الكآبة والقلق والشعور بالإحباط، بل وحتى الميل إلى الجرائم .

وقبل مدة أجرى المعهد الوطني الأمريكي للصحة النفسية دراسة على مدى خمس سنوات حول الصحة النفسية للأطفال كشفت نتائج مذهلة بدت مفاجئة حتى للعلماء المختصين الذين كانوا يعتقدون أن الأطفال في حصانة من الأمراض النفسية الخطيرة، وقالت البروفيسورة جوان لوبي، أستاذة الطب النفسي في جامعة واشنطن، التي قدمت الدراسة في اجتماع للأكاديمية الأمريكية لعلماء النفس إن ما يطلق عليه العلماء دليل الاضطرابات النفسية الرسمي يتناول الأمراض النفسية لدى الكبار ولا ينطبق على الأطفال دون السادسة ولذلك فإن أعراض الأمراض النفسية التي تظهر على الأطفال تمر من دون أن يلحظها أحد . ولكن البروفيسورة جوان ذكرت في دراستها أن العلماء لاحظوا، على مدى السنوات الأربع التي استغرقتها الدراسة، أن الأطفال يخضعون لنوبات وتقلب في المزاج قد تستمر لمدة اسبوعين، شبيهة بتلك التي يخضع لها الكبار الذين يعانون من أمراض نفسية، وأضافت: الطفل، بالطبع، لا يعبر عن كآبته بنوازع انتحارية، أو أفكار سوداوية، كما يفعل الكبار، ولكن هذه الأفكار موجودة لديه .

ومن أعراض الكآبة عند الأطفال: سرعة الغضب، وحدة الطبع، والشكوى الدائمة والتذمر، واجتناب الاختلاط بالآخرين، وعدم الاستمتاع باللعب كما يحدث بالنسبة لباقي الأطفال، والتعبير عن مشاعر سلبية أثناء اللعب . ويقول العلماء في مقال نشرته مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي إنهم قاموا بتحليل مؤشرات القلق والكآبة في إحصائيات شملت حالات ما يزيد على 40192 طفلاً وصبياً في سن الطفولة والمراهقة، فاكتشفوا أن هذه المؤشرات ارتفعت إلى حد مذهل خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، وعزا العلماء هذا الارتفاع إلى ضعف التواصل الاجتماعي، حيث يقضي الطفل معظم وقته أمام التلفزيون أو الكمبيوتر، وإلى التهديدات البيئية وغياب الأمن، وارتفاع نسبة الطلاق بين الآباء والامهات وانخفاض المستوى المعيشي .

وقبل مدة، نشر أحدهم كتابا بعنوان أحزان الأطفال بدا عنوانه غريبا بعض الشيء، إذ من يتصور أن الأطفال الذين ينظرون إلى الحياة بمنظار وردي يعرفون الحزن؟

أبو خلدون

abukhaldoun@maktoob .com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"