احتلال بعيد المدى

00:37 صباحا
قراءة 3 دقائق
من تسنى له الأمر الاطلاع على ما يسمى إعلان مبادئ علاقة التعاون والصداقة طويلة الأمد الذي وقعه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مع الرئيس الأمريكي جورج بوش خلال مؤتمر عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، فإن هذه الخطة التي أعلن عنها من دون مقدمات، تشي ببنود تفوح منها رائحة الاحتلال بعيد الأمد، وكي نكون أكثر وضوحاً في كشف هذه البنود الخطيرة نبدأ ببنود الجانب السياسي والدبلوماسي التي تبدأ بأولاً: دعم الحكومة العراقية في حماية النظام الديمقراطي في العراق من الأخطار التي تواجهه داخلياً وخارجياً، وثانياً احترام الدستور وصيانته باعتباره تعبيراً عن إرادة الشعب العراقي، والوقوف بحزم أمام أية محاولة لتعطيله أو تعليقه أو تجاوزه.هذان البندان المذكوران ليسا بحاجة إلى توضيح أمر الوصاية والحماية فيهما، حيث يجعل العراق تحت الاحتلال المباشر، وهو ما يفقد أي بلد عوامل السيادة والاستقلال والحرية، وكذلك يعرقل كل محاولة وطنية لتغيير أطر ورواسب الاحتلال المتمثلة في الحكومة الحالية أو العملية السياسية برمتها. والدستور الذي وضعه الاحتلال أصلاً معروف، وهذا يعني أن أمريكا من خلال هذا الإعلان بمقدورها التصدي بالقوة لإرادة الشعب العراقي في إعلان خياراته، خصوصاً أن الإعلان هو في حقيقته ومظهره صادر عن الاحتلال ولم يشاركه فيه طرف عراقي وطني وسيادي واستقلالي خارج العملية السياسية التي يتبناها الاحتلال والذي وضع لها سقفاً محدداً على الشاكلة الجارية حتى الآن.وأما الجانب الاقتصادي فكانت بنوده تقول أولاً: دعم جمهورية العراق للنهوض في مختلف المجالات الاقتصادية وتطوير قدراتها الإنتاجية ومساعدتها على الانتقال إلى اقتصاد السوق، في حين قال البند الرابع: مساعدة جمهورية العراق على الاندماج في المؤسسات المالية والاقتصادية والإقليمية والدولية، بينما قال البند الخامس: تسهيل وتشجيع تدفق الاستثمارات الأجنبية وخاصة الأمريكية إلى العراق للمساهمة في عمليات البناء وإعادة الإعمار.والبنود السالفة أشرت بشكل لا لبس فيه إلى أن الاقتصاد العراقي سيكون تابعاً ومرتهناً للمؤسسات الاقتصادية الدولية والأمريكية التي تتحكم فيها أمريكا، وإلا بماذا نفسر عملية الاندماج هذه واختيار سياسة اقتصاد السوق الرأسمالية؟ كما أن عملية تسهيل وتشجيع الاستثمارات الأجنبية والأمريكية، تتشكل صورتها في أن هذه الاستثمارات تأتي بشروط وأولها الحصول على التسهيلات الخاصة والاستثنائية التي يفوق سقفها المقاسات المعمول بها في العالم، وعلى الأرجح أن هذه الاستثمارات سوف يسيل لعابها على النفط والغاز ولن تدخل إلى الميادين الأخرى المتعلقة بالتطوير والبناء، من واقع أن مثل هذه الميادين لا تحقق أرباحاً سريعة الأجل وفق ما هو مضمون من أرباح في النفط والغاز. وفي الحقل الأمني تمثلت البنود في تقديم تأكيدات والتزامات أمنية للحكومة العراقية بردع أي عدوان خارجي يستهدف العراق وينتهك سيادته وحرمة أراضيه أو مياهه أو أجوائه.. الخ.اللافت في كل البنود التي تضمنها الإعلان هو أنها تسمي وتشير وتؤكد دعم (الحكومة العراقية) التي قامت من جراء عملية سياسية في كنف الاحتلال، بينما لم تشر إلى دولة العراق من نواحي السيادة والاستقلال وتلمس الخيارات الحرة ورسم معالم المستقبل بعيداً عن كل أجواء الاحتلال.إن هكذا خطط استعمارية تحاول تكريس الاحتلال بلبوس مدني يغطي مظهر الاحتلال لكنه في الجوهر يحافظ عليه ويسند قوائمه المخفية. [email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"