الانتخابات والنخب السياسية في إفريقيا

03:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

يشكل حدث الانتخابات في الدول الإفريقية الواقعة في منطقة الساحل وجنوب الصحراء، مناسبة للكثير من المحللين من أجل إعادة التفكير في واقع ومستقبل الدولة الوطنية الغامض في القارة السمراء، بسبب التحديات الأمنية والمواجهات الاجتماعية التي تفرزها المنافسة الانتخابية بين مختلف الأطراف المؤثرة في المشهد السياسي لهذه الدول. كما تمثل هذه المواعيد الانتخابية وبخاصة الرئاسية منها، مناسبة بالنسبة للبعض من أجل إعادة التأكيد مرة أخرى على فرضية أن هذه الكيانات السياسية الإفريقية لا علاقة لمجملها بقواعد الدولة الحديثة، وهي أقرب ما تكون إلى هياكل سياسية مصطنعة أقامتها القوى الاستعمارية على أسس أبوية وريعية من أجل خدمة مصالحها.
يمكننا أن نناقش في هذه العجالة موضوع نسق الدولة ومؤسساتها في إفريقيا من خلال محاولة تحديد الأسباب الرئيسية التي تقف وراء التوترات الكبرى التي تشهدها المواعيد الانتخابية من زيمبابوي جنوباً، إلى مالي شمالاً، وجنوب السودان شرقاً، في فضاء جغرافي متداخل تتكرّر فيه المشاهد المؤسفة نفسها، بالرغم من التعهدات التي تقدمها النخب السياسية الإفريقية الحاكمة من أجل تنظيم انتخابات تقول دائماً إنها ستكون ديمقراطية حرة ونزيهة. ولكن تحدث باستمرار وفي كل اقتراع، التجاوزات عينها سواء من طرف السلطة، أو من قِبل المعارضة التي ترفض أحياناً النتائج حتى إن لم تكن تملك أدلة دامغة على حدوث عمليات تزوير؛ وتنتشر نتيجة لذلك مظاهر عنف واسعة النطاق في مختلف التجمعات السكانية، كثيراً ما تفضي إلى عمليات قتل جماعي/ وإلى تصفية عرقية، كما سبق أن حدث في رواندا وكينيا خلال السنوات الماضية.
وتكمن المعضلة الكبرى بالنسبة للممارسة السياسية في إفريقيا، في الصعوبات الكأداء التي تواجهها الدول في تحقيق انتقال سلمي للسلطة من دون انقلابات عسكرية، وبعيداً عن الحروب الأهلية، ونستطيع أن نبرز في هذا المجال تجربة الحكم في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي ما زالت تعرف صعوبات جمة في عملية الانتقال السياسي منذ أن اعتلى السلطة جوزيف كابيلا سدة الحكم، بعد مقتل والده لوران ديزيري كابيلا، سنة 2001، وهناك شكوك كثيرة ما زالت تحوم بشأن مصير الاستحقاق الرئاسي الذي ستشهده كنشاسا في ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
ومن الواضح أن السمة المميّزة للتجارب السياسية في الدول الإفريقية، هو التأثير اللافت الذي ما زالت تمارسه القوى الغربية على مستعمراتها السابقة، فضلاً عن سيادة علاقات مجتمعية سابقة على مرحلة قيام الدولة مع غياب منظومة اقتصادية حقيقية قائمة على إنتاج الثروة خارج سياق الريع الذي تجتهد هذه الدول في توزيعه بناءً على المحسوبية، والولاء. وقد اعتمدت معظم الدول الإفريقية في بناء نظام الحكم على النسب، وعلى ما يسميه علماء الاجتماع السياسي بنسق الأبوية الجديدة الذي جرى إخضاع مؤسسات الدولة له، ونجم عن كل ذلك وجود دول ضعيفة وهشّة، بعضها دخل فعليا إلى مرحلة الفشل منذ أكثر من عقدين، وبعضها الآخر مازال مرشحاً للانتقال إلى حالة الفشل، نتيجة للإخفاق الذي ميّز كل المخططات الهادفة إلى إعادة توزيع الثروة الريعية، وبخاصة بعد تراجع مستوياتها بفعل التقلبات التي تعرفها أسعار المواد الأولية على مستوى البورصات الدولية، إضافة إلى المقاومة التي تبديها مختلف المجموعات السكانية تجاه مشاريع التحديث والتطوير.
وتبدو هشاشة الدولة التي نتحدث عنها واضحة من خلال تجربة الانتخابات الرئاسية التي عرفتها زيمبابوي، والتي أدت إلى مقتل العديد من المتظاهرين المحتجين على فوز إيمرسون منانقاقوا، في الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 30 يوليو/تموز الماضي، لاسيما في هذا البلد الذي ما زال يعيش على تبعات عقود من سيطرة عائلة موغابي على الحكم.
والشيء نفسه يمكن أن يقال بشأن دولة مالي التي تشهد منذ الاستقلال صراعاً مزمنا بين الجنوب الزنجي، والشمال الذي يتقاسم العرب والطوارق السيطرة عليه؛ وكانت مالي شهدت يوم 12 أغسطس/ آب الجاري إجراء جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة التي واجه فيها الرئيس المنتهية ولايته إبراهيم بوبكر كايتا، زعيم المعارضة صومويلا سيسي والتي رفضت المعارضة نتائجها حتى قبل الإعلان عن نتائجها الرسمية، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تصعيد المواجهة بين مختلف أطراف الصراع في باماكو.
نستطيع أن نستنتج عطفاَ على ما تقدم، أن الأغلبية الساحقة من مواطني دول القارة السمراء ما زالوا ينظرون إلى عملية الاقتراع، على أنها فعل عبثي لا طائل من ورائه يعبّر عما يصفه البعض بديمقراطية الواجهة في دول العالم الثالث، التي تغيب فيها الحوكمة الجيدة، وينتشر بين نخبها الفساد وسوء التسيير ويستباح فيها المال العام، وتنعدم بداخلها مؤسسات المجتمع المدني التي تلعب دوراً حاسماً في توجيه عمل النخب الحاكمة، كما تتميز هذه الدول بانعدام التوازن في النمو ما بين المجالين الديموغرافي والاقتصادي، مع ضعف كبير للطبقة المتوسطة وانتشار هائل للفقر والفوارق الاجتماعية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"