الانسان الحقيقي

11:50 صباحا
قراءة 3 دقائق

يوماً بعد يوم، تزداد قساوة زماننا هذا. فالاقتصاد في حالة فوضى، والحروب يبدو أنها تتبرعم حول العالم، ولم نر قبلاً فيروسات محمولة جواً تنشر الرعب بين جموع البشر.

نحن نعيش في عالم أصبحت فيه السعادة والإيجابية تُعبأ وتُعلب وتُباع، عالم غدت فيه تروية الأرض بالدماء أسهل من ريها بالماء، عالم حتى الأطفال فيه يعانون من الإنهاك والاكتئاب.

قبل أن تتسرع وتتهمني بالتشاؤم والسوداوية، اسمح لي بتبرئة نفسي، وأن أخبرك بأنني لست متشائماً ولا سوداوياً، أنا أنتمي لمجموعة من الناس لا تزال لديها ثقة في هذا العالم، وتسعى خلف أي شعاع ضوء يلوح في الأفق. بيد أن الأمثلة والنماذج الكالحة، هائلة وأصبحت أقرب إلينا من أي وقت مضى.

والآن، ما الذي يمكن فعله عندما نشعر بأن أسوأ مخاوفنا أضحت حقائق ملموسة؟

الغالبية منا ستبحث عن تدخل سماوي، نركع على ركبتينا ونرفع أيدينا ونتضرع، فما الذي بوسع أيدينا الضعيفة أن تفعل أكثر من ذلك؟ لا شيء.

وهذه الحالة من انعدام الحيلة واللاجدوى، زرعت بذور ثقافة شعبية وأتاحت انبعاث البطل الخارق.

والبطل الخارق أو السوبر، شخصية خيالية مطورة تعمل على إنقاذ البشرية من الكوارث والمصائب الكبرى في أحلك الظروف.

شخصية مصنوعة من كل ما نعتقد بأنه مثالي وضروري. هولوغرام عملاق صنعته أحلامنا ومرامينا.

وقد كان الظهور الأول لهذا البطل الخارق من خلال شخصية سوبرمان. وسوبرمان ولد في العام 1938 في خضم نيران الحرب العالمية الثانية. وحينذاك كان العالم متشحاً باليأس والاحباط، ولذلك فإن شخصية مثل سوبرمان لم تكن مطلوبة فقط، بل كانت لازمة وجوهرية لتدعيم روح العالم ومعنوياته.

شخصية البطل الخارق، كانت على الدوام شخصية غامضة، فالبطل الخارق يكد ويجتهد من أجل الحفاظ على سرية هويته. ومن المهم بالنسبة لنا أن تظل شخصيته هكذا، لأننا ندرك أن جانباً من طبيعتنا وسجيتنا تحترم وتعجب بما لا يمكننا فهمه واستيعابه، فهماً تاماً. وفي حياتنا الحقيقية، نحن محاطون بالأبطال الخارقين الذين يضّحون بتجرد لمنفعة الآخرين. ومع ذلك لا نحس بهم، لأننا ببساطة اعتدنا أن نعتبر ما هو في ملكنا أمراً مسلماً به لا يحتاج منا إلى نقاش.

والخيال البشري ما هو إلا امتداد للواقع المعاش، نترجم عبره رغباتنا المخبوءة. وعندما نحس بالأمان تحت غلالة الخيال الرقيقة نستجمع شجاعتنا لابتداع شخص، شخص واحد فقط، يكون بمقدوره إعادة بناء كل ما دمرناه في الحياة. شخص يسير بجانبنا أناء النهار ويحلق فوقنا عندما يحل الليل، يشرف علينا ويرعى شؤوننا، ويحمينا. والخيال قدم لنا سوبرمان، فهل نجرؤ على التماس الواقعية والحقيقة العارية؟ فلنقل سلكنا هذا المسلك، ساعتها سيتهكم علينا الواقع وينظر إلى وجوهنا التي خيم عليها القنوط واليأس فيعتبرها حمقى وبلهاء.

يمهد سوبرمان الطريق لغيره من الأبطال فوق العادة، كل منهم يستجيب لحاجة معينة، يعبر عن خيط مفقود حقيقة ضائعة يحتاجه المجتمع.

على سبيل المثال أنتجت دي. سي. الكوميدية في الأربعينات شخصية ووندروومن أو المرأة الأعجوبة، وجاءت تماماً مثل سوبرمان استجابة لضرورات وأهمية دور المرأة بالمجتمع، جاءت تعبيراً عن الأنوثة وحلم المساواة بين الجنسين، وكان دورها محاولة خرق وكسر الحواجز والقيود التي فرضها المجتمع على المرأة.

إن الأبطال الخارقين اعتبروا نماذج صعبة لا يمكن البحث عنها في الواقع، لكن ليس من الضروري تكرارهم بنفس المواصفات التي ظهروا بها. النقطة الأهم هي البحث عن حقيقة الدور الذي يؤديه كل منهم.. (المهمة المعهودة إليه بالحياة)، لذا لا يهتم أحد كثيراً بصفاته إذا كان نبيلاً أو أميناً، مخلصاً أو غيره، الجميع يهتم الآن بمهمته.

لذا يجب علينا التأكد من أن إنقاذ العالم لا يعتمد على شخص واحد لكنه يبدأ من شخص واحد، وكلما استطعنا الوصول إلى شخص آخر كلما حققنا نجاحاً وأصبحنا لا نقهر.

إن كل بطل خارق للعادة (سوبرهيرو) لديه نقاط ضعف، بالنسبة لسوبرمان كانت حجر الكربتونايت، لكن بالنسبة لنا ما هي هذه العيوب، إنها قاتلة ومتعددة.. ويجب معرفة ذلك والتوجه نحو هذه العيوب لاستئصالها، إن هذا هو أملنا الوحيد للنجاة، فقط بقدرتنا على مواجهة خللنا وتقبل ضعفنا وسهولة انقيادنا سنصبح أقوياء، لكن هل هذا يكفي لاستعادة قوتنا مجدداً؟

في عالم مثل هذا الذي نحياه لا نحتاج إلى قوة عظمى، كل ما نحتاج إليه هو إنسان حقيقي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"