التحديات أمام الرئيس المصري الجديد

04:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
لعل فوز عبد الفتاح السيسي برئاسة مصر ادعى الى الإشفاق على الرجل من ثقل المهمات التي ألقيت دفعة واحدة على كتفيه، من شكليات التهنئة بالمنصب الجديد، الذي انتقل به من وزارة الدفاع الى رئاسة الجمهورية .
إن منعطفاً بالغ الحساسية والتعقيد، رسمته كل من ثورة 25 يناير أولاً، ثم ثورة 30 يونيو ثانياً، فحددت الملامح الأولى للانتقال المطلوب دفع مصر إليه، خروجاً من عصر محمد مرسي القصير، وعصر حسني مبارك، وحتى عصر انور السادات .
فالانعطاف الذي أحدثه وصول انور السادات الى مصر خليفة لجمال عبد الناصر، بدا في اول الأمر مرتبطاً بنتائج حرب اكتوبر، واثرها في تعديل موازين القوى مع "إسرائيل"، وبالتالي إلى رفع وزن مصر في الاطار الاقليمي والدولي، انطلاقاً من تعاظم دورها في الصراع العربي- "الإسرائيلي"، بعد أن استطاعت حرب اكتوبر ان تنجز رداً حاسماً على هزيمة يونيو/حزيران ،1967 وما كانت تحمله من شروط أمريكية- "إسرائيلية" للرضوخ (راجع رسالة التهديد التي بعث بها جونسون الى عبد الناصر في العام 1965) .
غير أن عصر السادات ما لبث أن اتخذ من حرب اكتوبر مبرراً للسير في طريق انجاز الثورة المضادة لثورة 23 يوليو، مبتدئاً بالعنصر الداخلي للثورة، بضرب فلسفة التنمية الحديثة باعلان الاقتصاد المفتوح سداح مداح (على حد تعبير أحمد بهاء الدين) وضرب فلسفة العدالة الاجتماعية المؤسسة على الاصلاح الزراعي ومركزية القطاع العام في اقتصاد الدولة .
بعد ذلك، سرعان ما استكمل السادات ثورته المضادة بتوقيع معاهدة كامب ديفيد، ضارباً دور مصر في المجالي الاقليمي والدولي، مرتداً بها من دولة تنافس الدول الكبرى، إلى دولة صغرى، لا شأن لها اقليمياً أو دولياً .
بعد ذلك، جاء عهد حسني مبارك ليعمق أساسات الثورة المضادة التي أطلقها السادات على جميع المستويات، مضيفاً إلى ما أنجزه السادات مزيداً من تعميق فلسفة الفساد وفلسفة الاستبداد، تتويجاً بعصر التوريث في السلطة من الاب الى الابن .
في البدء قامت ثورة 25 يناير في وجه كل هذه الانحرافات التي استمرت اربعة عقود كاملة، غير أن الاخوان المسلمين ما لبثوا أن قفزوا على الثورة الجديدة، وأدخلوا مصر في عام من أخطر أعوام ضرب أسس الدولة الحديثة من أعماقها، والعودة بها الى القرون الوسطة، أو ما قبل .
لكن دفقات متزايدة من ملايين الشعب المصري سرعان ما اندفعت (فيما يتجاوز الثلاثين مليوناً) لاعادة تصحيح مسار ثورة 25 يناير التي انحرف بها عهد محمد مرسي، ومررنا بعد ذلك بعام انتقالي صعب، انتقلت الامور في نهايته، وبانتخابات ديمقراطية، الى دستور جديد، ورئيس جديد، وبرلمان جديد بعد اشهر قليلة .
إن الاعتراف بالتكامل بين ثورتي 25 يناير و30 يونيو، من قبل المرشحين السابقين السيسي وصباحي، هو اعتراف بأن المهمات التي القاها شعب مصر على أكتاف الرئيس الجديد، هي باختصار شديد العودة بمصر من عصر الثورة المضادة، الى عصر الثورة الحديثة هذه المرة، المستفيدة من كل إنجازات ثورة 23 يوليو، ولكن بعد إضافة رئيسية هي نقل المسؤولية الرئيسية من أكتاف الزعيم التاريخي، الى جموع الشعب المصري . والذي لم يستوعب بعد تماماً ذلك التكامل بين ما يحدث في مصر اليوم من جهة، واستعادة انجازات ثورة 23 يوليو من جهة ثانية، بعودة ظهور صور جمال عبد الناصر على رأس المظاهرات الشعبية، والمناسبات الديمقراطية، عليه أن يدرك أبعاد ذلك الربط العفوي الذي أطلقته جماهير شعب مصر بملايينها المتدفقة إذ رسمت بذلك صورة كاملة للمهمات والتحديات التي تنتظر رئيس مصر الجديد .
إنها استعادة إنجازات ثورة 23 يوليو، ولكن بعد استكمال صورتها الديمقراطية الحديثة .

إلياس سحّاب

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"