التعلم وتداخلات التنمية بين هابرماس وفوكو

02:19 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي

إن التعلم والمعرفة من أجل التنمية هما منطقتان تزدادان اتساعاً في الدراسة والممارسة، وتوجد الآن ميادين تنافس على نطاق واسع للجدل الذي ينصب على المفاهيم، وأيضاً على الأدوات والأساليب الفنية، والمهارات لتعزيز التعلم ومشاركة المعرفة وإدارة المعرفة في التنمية.

إن فهم كيف ولماذا يحدث هذا، هو شأن وثيق الصلة بالتنمية باعتباره تاريخ العمليات التي من خلالها يحدث التغيير والحوافز للعاملين، خاصة المشروعات الصغيرة والكبيرة سواء عامة أو خاصة، ليتعلموا من بعضهم بعضاً ويخلقوا منتجات جديدة وعمليات وأسواقاً لتوليد الثروة. وعلى الرغم من أن هناك كتابات حديثة ركزت على المؤسسات والأنظمة التي في داخلها يحدث التعلم والابتكار، أو يكون باعثاً على التعلم والابتكار، فإنه من الخطأ أن نظن أن التعلم والابتكار هما ببساطة مجرد عمليات ناشئة على أنها نتيجة طبيعية؛ إنها غالباً أعمال مخططة ومتعمدة، وأيضاً مصممة لإحداث أنواع محددة من التغير.

إن المنظمات العالمية مثل البنك الدولي ومنظمة التنمية الصناعية التابعة للأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، ومنظمة العمل الدولية، كلها مهتمة بالمشروع الابتكاري الاقتصادي والصناعي والتجاري والعمالة والنمو. وهناك كتاب آخرون درسوا «كيف يحدث التعلم»، وبحثوا بشكل خاص تداخلات التنمية، وقالوا إن التعلم ربما يحدث من تلك التداخلات، أو إن التدخلات نفسها ربما صممت بغرض تعزيز التعلم والارتقاء به. وهناك أهمية قدرتنا التواصلية، ومن ثم قدرتنا على التعلم والطريقة التي نفكر بها ونتصرف وفق عوالمنا الاجتماعية، ويتم التركيز هنا على مفهوم هابرماس عن الفعل التواصلي القائم على المعرفة التحررية.

ومن وجهة هابرماس يتطلب الفعل التواصلي «عوالم حيوية تشاركية أو إجماعاً أساسياً» تشاركياً، فالخبرات المشتركة والافتراضات العامة هي التي تشكل قاعدة الثقة وتمكن التعلم من أن يحدث، وقد تؤدي إلى مواقف مثالية متوازية، إلى حد ما، مع مثاليات محادثة المشاركة. وفي الوقت الذي يكون فيه التشارك في الصفات هو أساس الثقة، فالاختلاف أساسي للتعلم، وهكذا، فإن كلاهما كتل بناء للتعلم اليومي. إنهما يعتبران كتل بناء من عدة طرق مهمة، ففي دراسات الحالات التي أجراها العلماء المتخصصون كان دور الخبرة المشتركة والثقة إما نقطة بداية، أو بُعداً تم بناؤه من خلال الفعل المشترك والتفكير خلال الإمداد بالأساس الذي من خلاله يمكن أن يحدث التعلم المشترك، والعمل المشترك، كما أن له ديناميته الخاصة.

فالتشارك في الصفات ليس خاصية أو صفة؛ أي تكون أو لا تكون، إنها تشيد وتتشكل على مر الزمن. ويمكن أن تفقد أيضاً لو أن الأساسات التي شيدت عليها لم تعد متماسكة أو قُوضت بتأثير الاختلاف الذي فرض سيطرته، أو بتأثير عوامل خارجة عن نطاق وسيطرة القوى الفاعلة (على سبيل المثال التغيرات الاقتصادية والسياسية التي تفرق بين القوى الفاعلة).

وبالقدر نفسه، فإن الاختلاف صفة مرنة داخل العلاقات الاجتماعية. كيف تفهم باعتبارها علاقة قوة على سبيل المثال، أو مصدراً للتعلم، كيف تتعامل القوى الفاعلة مع الاختلاف (من التظاهر أو الادعاء بأنه غير موجود إلى إعطائه وضع العقبة أو الحائل دون التعلم)، وستؤثر التأثيرات البيئية المحيطة سواء أعطى الاختلاف قوة ما، لصالح التعلم، أم قوة لتقويض التعلم، في حين يتصل مفهوم فوكو عن الحكومة، بصلة وثيقة مع أسباب ومبررات الفعل التي أثارتها وجهات نظر ما بعد التنمية، ومع ذلك فهي تبرز أن المعارف المختلفة تنتج لأجل أغراض مختلفة وليس كثير منها معتدلاً أو حميداً. وتثير وجهة النظر هذه، جدلاً بأن «الحقائق» يمكن أن تطبع وتضفى عليها صفات ذاتية بحيث تصبح مبادئ هادية من خلال علاقات القوة (تصبح نظمَ الحقيقة) التي قد لا تكون بالضرورة معتدلة أو حميدة.وفي ما يتعلق بفوكو، يستلزم إنتاج الحقيقة عملية تفاوض ومواءمة، ويمكن أن يداخلها تحد ومنافسة تؤدي إلى تعلم من نوع معين يمكن أن يكون تحويلياً.

كاتب وباحث أكاديمي مصري

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"