الدم الفلسطيني حقل تجارب “إسرائيلي”

04:53 صباحا
قراءة 3 دقائق

أعتقد أن مسيرة القضية الفلسطينية، منذ العام ،1948 لم تعرف مرحلة أكثر تدهوراً من المرحلة الحالية التي تمر بها، سواء في الضفة الغربية، أو في قطاع غزة، أو حتى في أرض الشتات العربي والدولي .

فحين كان النضال الفلسطيني يستكين ويهدأ على صعيد منظمات الكفاح المسلح، كان التحرك الشعبي يعوض هذا التراجع، بل يتفوق عليه، لاسيما إذا تذكرنا أن المحطتين الشعبيتين النضاليتين المعروفتين باسم الانتفاضة الأولى، ثم الانتفاضة الثانية، كانتا الأكثر حراكاً وفعالية في التاريخ النضالي للقضية، خاصة الانتفاضة الأولى .

أما في هذه المرحلة من حياة القضية، فإننا أصبحنا نشهد ذروة في حالة التعايش بين السلطتين في الضفة الغربية وفي غزة مع الأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل، وما زالت تتحكم به وبتوقيته كما يحلو لها التحكم، وكما يناسب الحد الأقصى من مطامعها الاحتلالية والاستيطانية العنصرية .

إن ما شهده قطاع غزة في الأيام الأخيرة، لم يكن فظيعاً فقط في الدرجة العليا التي وصل إليها الإجرام الإسرائيلي (أكثر من عشرين شهيداً، بينهم المقاوم والنساء والأطفال)، بل إن ما كان أشد بشاعة، من ذلك تصريح أحد المسؤولين الإسرائيليين بأن ما قامت به إسرائيل في غزة أخيراً، لا يعدو كونه تجربة لتبين ملامح اليوم التالي للاعتداء الإسرائيلي القادم على إيران، كيف ستكون تفاصيله .

في هذا المجال لا نستغرب أن يقوم استراتيجيو إسرائيل بتجربة أخرى مماثلة على الدم اللبناني شمالاً، كا فعلوا مع الدم الفلسطيني جنوباً، ذلك أنهم يتخوفون في حالة الاعتداء على إيران، ردة فعل من جنوبهم ومن شمالهم .

الأفظع من هذه الفظاعة، أن التجربة على الدم الفلسطيني، تمر وسط هدوء عربي، وهدوء دولي مشابه، في وقت ترتفع فيه الجلبة العربية والدولية إزاء الأحداث الجارية في سوريا، مهددة بالتدخل المعنوي والمادي المباشر، لوقف تلك الأحداث .

ولعل ما كان أشد إيلاماً من الغياب العربي الكامل في أحداث غزة الأخيرة، أن هذا الغياب لم يخترقه سوى الحضور المصري الملتبس، في أن يتحول إلى مجرد وسيط محايد بين إسرائيل والفلسطينيين .

إن ما يجري من سفك سهل لدماء الفلسطينيين في غزة، إضافة إلى خنقهم بالحصار البحري والبري والجوي، لا يضاهيه ويوازيه، إلا ما يجري من استكمال لتهويد كل مفاصل الحياة السكانية والعمرانية في الضفة الغربية، وفي القدس بشكل خاص، حيث وصلت عمليات التهويد إلى محيط المسجد الأقصى، وحيث أصبح كل بيت عربي يحافظ على عروبته، عرضة لعمليات هدم وطرد يوميين .

هل يصح بعد ذلك أن تعتبر قيادة إحدى المنظمات في غزة، أن ما تم من تهدئة رعتها مصر هو انتصار لفلسطين لمجرد أن فيه ضماناً لوقف اغتيالات قيادات المنظمات؟

لم يصب الهوان قضية فلسطين كما يصيبها اليوم، بحيث أصبحت الهدنة مع المحتل الغاصب، وهو قابع في ذروة طغيانه واغتصابه انتصاراً .

ألم يحن الوقت بعد ليلاحظ قادة السلطة الفلسطينية في رام الله، وقادة التنظيمات في غزة، أن المخاطر الاستراتيجية أصبحت تحيط بأساسيات قضية فلسطين، وتهدد هذه الأساسيات بالاندثار؟

إن هبّة شعبية فلسطينية شاملة في الضفة وقطاع غزة (على غرار الانتفاضة الأولى)، أصبحت أكثر من ضرورة ملحة، لأنها وحدها القادرة على وضع إسرائيل برمتها في الموضع السابق لنظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، وتساوي بين مصير إسرائيل دولةً، وبين مصير ذلك النظام . وما عدا ذلك هو استمرار لتدهور قضية فلسطين إلى حضيض لم تعرفه من قبل .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"