الرؤساء الأمريكيون وقضية فلسطين

03:56 صباحا
قراءة 4 دقائق

منذ أن كانت قضية فلسطين محل أخذ ورد في أروقة الأمم المتحدة في العام ،1947 أي قبل تأسيس إسرائيل وحتى قبل صدور قرار التقسيم، وحتى يومنا هذا، ما زلنا نشاهد سيناريو يتكرر بين الأنظمة العربية والرؤساء المتعاقبين على سدة البيت الأبيض في واشنطن، وخلاصة السيناريو أنه كلما حل رئيس أمريكي جديد في البيت الأبيض، علقت الأنظمة العربية كل آمالها على أن يخفف الرئيس الأمريكي الجديد من غلواء الانحياز الأمريكي الأعمى إلى إسرائيل، ويتخذ موقفاً أكثر توازناً بين العرب والحركة الصهيونية، يؤدي إلى إيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، بما للولايات المتحدة من وزن في السياسة الدولية من جهة، وبما لها من حظوة ونفوذ وقدرة ضغط على الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل، من جهة ثانية .

ومنذ سبعة عقود ما زلنا نشاهد تكرار السيناريو ذاته، بكل حذافيره: كلما علّق العرب مزيداً من الآمال على الرئيس الأمريكي الجديد، انتهت ولاية هذا الرئيس المزدوجة (8 سنوات) أو المنفردة (4 سنوات) بمزيد من الانحياز الأمريكي الأعمى إلى الصهيونية وإلى دولة إسرائيل .

بدأ السيناريو مع الرئيس هاري ترومان، الذي كان يعتقد أنه معادٍ للصهيونية، بل هناك من كان يصنفه معادياً للسامية . ولما ترشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية، جاءه وفد من اللوبي الصهيوني يبلغه أنه إذا لم يتخذ موقف التأييد الأمريكي لقرار تقسيم فلسطين، فإن أصوات اليهود الأمريكيين ستصب بالإجماع في مصلحة منافسه المرشح جون ديوي .

وكانت النتيجة، كما تقول لنا الوثائق التاريخية، أن الولايات المتحدة لم تكتف يومها بتأييد القرار 181 القاضي بتقسيم فلسطين، لمنح الحركة الصهيونية دولة فيها، بل وقفت على رأس القوة الدولية الضاغطة بالإكراه وبالتهديد وبالإغراء على الدول المترددة في هذه المسألة، أو المعارضة لها .

لا يتسع هذا المقال القصير لاستعراض موقف كل رئيس أمريكي منذ ذلك الوقت، لكننا قبل الوصول إلى الفترة الأخيرة، في العقدين الأخيرين، نذكّر بالمحاولة الشهيرة التي قام بها الرئيس جمال عبد الناصر في الستينيات مع الرئيس الأمريكي الجديد يومها، جون كندي، عندما بعث اليه برسالته الشهيرة التي يحاول أن يذكّره فيها بالحقائق الأساسية للقضية الفلسطينية، والتي وردت فيها عبارة عبد الناصر الشهيرة عن أن نشأة القضية الفلسطينية بدأت عندما أعطى من لا يملك، الأرض لمن لا يستحق .

لكن خيبة الأمل بالموقف الأمريكي يومها، خاصة بعد اغتيال جون كنيدي، وبعد حرب ،1967 انتهت بجمال عبد الناصر إلى موقفه التاريخي: ما أخذ بالقوة، لا يسترد بغير القوة، وقد كان يعني بذلك كل الأراضي العربية المحتلة وليس سيناء فقط .

بعد ذلك المنعطف، أصبح كل رئيس يأتي إلى البيت الأبيض يبز أسلافه في المبالغة في تأييد إسرائيل وكل عمليات العدوان والاحتلال التي كانت تقوم بها، وكل مخالفاتها لكل القرارات الدولية ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية .

لم يشذ عن القاعدة حتى يومنا هذا، شذوذاً طفيفاً إلا الرئيس الأسبق جورج بوش الأب، الذي نفذ قراراً بوقف موازنة المساعدات الأمريكية لإسرائيل، لأنها خالفت طلبه بوقف بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكنه سرعان ما دفع ثمن هذا الموقف المخالف للسيناريو المعتاد، بإسقاطه عندما ترشح لدورة رئاسية ثانية، مع أنه كان بطلاً لحرب أمريكية منتصرة ضد احتلال صدام حسين للكويت .

منذ ذلك الحادث، عاد سيناريو تعامل الرؤساء الأمريكيين الجدد مع دولة إسرائيل إلى المسار التاريخي المعروف: كلما حاول رئيس أمريكي جديد (جمهورياً كان أم ديمقراطياً)، إيجاد ثغرة في جدار القضية الفلسطينية، أفشله الضغط الصهيوني(والتخاذل العربي)، وسجل انتصاراً جديداً للحركة الصهيونية على سيد البيت الأبيض في واشنطن .

آخر هذه المواقف المتكررة حتى الملل، إعلان وزيرة خارجية أمريكا عجز الولايات المتحدة ورئيسها باراك أوباما عن إقناع إسرائيل بتنفيذ الطلب الأمريكي بتجميد الاستيطان لفترة ثلاثة أشهر ليس إلا، في مقابل إغراءات عسكرية وأمنية ومالية بلا حدود .

وهكذا جاءت النتيجة النهائية انتصاراً لنتنياهو على أوباما، مع الإبقاء على صفقة طائرات إف- 35 الأمريكية لإسرائيل (مع احتمال مضاعفتها من 20 طائرة إلى 40 طائرة) .

قد يلفت النظر بعد هذه النتيجة استمرار رضوخ الدولة الأمريكية للضغط الصهيوني، من خلال الاستمرار الأمريكي في العملية السلمية بالشروط الإسرائيلية المتعنتة، بل المستحيلة، لكن ذلك في النهاية هو استمرار طبيعي لسيناريو العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية . إلا أن ما يدعو للدهشة والاستغراب بل والاستنكار، هو وقوف لجنة المتابعة العربية ورئاسة السلطة الفلسطينية، موقف مواصلة العملية، بالأسلوب الفاشل والعاجز نفسه، أسلوب الاعتماد فقط على احتمال تطور الموقف الأمريكي .

باراك أوباما مقدم بعد فترة على تجهيز معركة ترشحه لدورة رئاسية ثانية، ومن المؤكد أنه لن يدخل هذه الاستعدادات إلا بعد الذهاب إلى أبعد الحدود في مزيد من استرضاء الحركة الصهيونية .

يبقى السؤال الأكبر: ماذا بقي للعرب من تمسكهم بالبدائل التي ما زالت كلها تعتمد على الموقف الأمريكي؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"