الصمت

23:41 مساء
قراءة دقيقتين
الفم المطبق لا يدخله الذباب(سيرفانتس) قال بعض اجدادنا الذين كانوا ذات يوم مواطنين أحراراً في شبه جزيرة ايبريا، ان الصمت زينة الجاهل في جمعية العقلاء.هذا ما نقله الي صديقنا الراحل الكاتب عبدالله الكندي، الذي عاش ما بين رمس رأس الخيمة وخان الشارقة، وهو شبه مغمى عليه: الصمت لا يخون أبداً.كان عبدالله (الذي نعرفه منذ بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي، انه رجل مصاب بصدع في قاع جمجمته، وبصداع عند سقفها) قد قضى شهيدا عندما كان يتصدى لثلاث دبابات اسرائيلية في جنوب لبنان.وقبل ان يستشهد، اعطاني الكندي كراسا صغيرا ملفوفا بما هو مغزول من صوف كشميري، ثم قال: الآن، وقد اخترت ان اختار اسلوب موتي، انا الذي لم اختر يوم ميلادي: يا صديقي العزيز، انشر هذه المقالات وتحتها توقيع: متعب المطرود أو شايع الشرقي.لم يداخلني أي استفزاز، لأني كنت حقا اكتب مقالات وأذيلها بأحد هذين التوقيعين، بعدما ترفض الصحافة العربية نشرها. والسبب في ذلك ان اسم متعب المطرود يدل فعلا على تهكم فريد حيال الصمت الذي اختاره أجدادنا الأحرار، بعدما انهزم اجدادهم أمام تحالف فرديناد ايزابيلا. انا صاحبه الذي حمل جسده المائت الى سيارة الاسعاف التابعة لتلك المنظمة الصحية غير الحكومية، أكيد من ان عبدالله كان يكتب تاريخ قلبه الذي نبتت على حافاته أدغال كثيفة، كانت بداية صمته الصاخب، وهو يستمع الى حكاية جدته عويش حين كانت تهبط من الجبل ذات شهر مليء رعباً وقحطاً.قالت عويش: من عتمة الفجر الى عتمة الغروب، في السنوات الاخيرة من القرن الثاني عشر، كان ثمة فهد يرى بعض الألواح الخشبية.. الخ.اعترضت انا قائلا: يا عبدالله.. هذه بداية السطر الاول، من المقطع الاول، من قصة: الجحيم، ،1 32، تماماً. وانه لمن المفيد لأولئك الذين يريدون معرفة اسرار هذه الحكاية الرمزية، حسب وصف بورخيس، ان يعودوا الى قراءة كتاب خورخي لويس بورخيس: التاريخ الكوني للعار.نهض عبدالله الكندي من قبره الرملي، او انه استيقظ بعدما كمن دهراً في منابت الجبال السود، ليقول: يا جمعة، يا صديقي، انا، بينك وبين بورخيس، أتهكم، وأتهكم، وأتهكم، لأقول في نهاية المطاف: الشجاعة تقود الى النجوم. جمعة اللامي[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"