الصوت اليهودي في معركة الديمقراطيين

02:38 صباحا
قراءة 4 دقائق
عاصم عبد الخالق
الحضور اليهودي في الساحة السياسية الأمريكية ثقيل وقوي، وهو أثقل وأقوى ما يكون في مواسم الانتخابات. الصوت اليهودي، المال اليهودي، النفوذ اليهودي، مفردات معادلة النجاح أو الفشل لأي سياسي أمريكي. الموقف من «إسرائيل» هو كلمة السر التي ترفع صاحبها إلى ذرى النجاح أو تهوي به في قيعان النسيان.
ومن الطبيعي، والأمر كذلك، أن يتبارى المرشحون في إظهار الدعم الكامل ل «إسرائيل»، والتأييد المطلق لها. ولكي يحدد الرأي العام العربي من هو أصلح بالنسبة له فليس أمامه سوى البحث عن أيهم أقل عداء للقضايا العربية والإسلامية، وليس من هو الأكثر تأييداً ل «إسرائيل»، لأن كلهم في ذلك سواء.
بهذا المنطق وتلك الرؤية الواقعية يجب أن نقرأ ونتابع المعركة الانتخابية الحالية. ونبدأ الرصد بالمعسكر الديمقراطي ليس فقط لأنه المفضل عادة من جانب اليهود، ولكن أيضاً لانحصار المنافسة داخله بين مرشحين اثنين هما هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز، وهي المرحلة التي لم يبلغها السباق الجمهوري بعد.
ديانة ساندرز اليهودية تجعل قضية النفوذ اليهودي ودعم «إسرائيل» مرتبطة تلقائياً بانتخابات الديمقراطيين، على الأقل من وجهة النظر العربية. القلق العربي هنا يبدو مفهوماً وإن لم يكن هناك ما يبرر المبالغة فيه. وكما أشرنا فإن المرشحين من الحزبين يؤيدان «إسرائيل» تأييداً مطلقاً وبلا تحفظ وليس ساندرز فقط. السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان المجتمع الأمريكي قد تغير إلى الحد الذي يقبل فيه رئيساً يهودياً، كما قبل رئيساً أسود.
أوباما كان الاستثناء الأول في نادي الرؤساء، القاصر على الرجال البيض البروتستانت باستثناء كنيدي الكاثوليكي. وإذا فاز ساندرز سيكون استثناءً تاريخياً، بنفس القدر الذي سيكون فيه فوز هيلاري استثناء كأول سيدة تحتل هذا المنصب الرفيع.

المحاولة الجادة الأخيرة التي اقترب فيها يهودي من المنصب كانت عام 2000 عندما اختار المرشح الديمقراطي آل جور السياسي اليهودي جو ليبرمان نائباً له وفشلا معاً. كثيرون يعتقدون أن المجتمع الأمريكي تغيّر منذ ذلك الوقت. وفي استطلاع لمركز غالوب أجراه الصيف الماضي قال 91% من الناخبين إنهم لا يمانعون في التصويت لمرشح رئاسي يهودي، بينما قال 81% إنهم يمكن أن ينتخبوا مرشحاً من المرمون وهي طائفة مسيحية صغيرة. ولم يرفض 73% انتخاب رئيس مسيحي إنجيلي. وقال 60% إنهم لا يمانعون في انتخاب مسلم و58% لا يمانعون في انتخاب ملحد.

توضح هذه الأرقام التغيير الكبير الذي طرأ على توجهات الناخب الأمريكي، مع الأخذ في الاعتبار أن المواطن يدلي برأيه أحياناً في الاستطلاعات على نحو يظهر تسامحه، بينما قد يكون له رأي مختلف في صندوق الانتخابات.
ومع ذلك فإن الملاحظة المهمة هي أن يهودية ساندرز ليست مسألة مطروحة في المعركة الانتخابية. ولا تشغل الرأي العام كما كان عليه الوضع إبان تجربة آل جور وليبرمان. حتى إن كثيراً من الأمريكيين كما تقول الصحف لا يعرفون أنه يهودي، وصفته الأشهر أنه اشتراكي. ولو فاز في الانتخابات سيكون ذلك بسبب مبادئه الاشتراكية، وإذا خسر فسيكون لنفس السبب وليس لكونه يهودياً. وقد لخص صديقه ريتشارد شوجرمان أستاذ الفلسفة في جامعة فيرمونت الموقف بقوله إن ارتباط ساندرز باليهودية أخلاقي وثقافي أكثر منه ديني. ويرى المقربون منه أنه يهودي علماني غير متدين. ونادراً ما يتحدث ساندرز وهو ابن مهاجر بولندي فقير عن ديانته.
على المستوى الشخصي فهو متزوج من مسيحية، بينما ابنة هيلاري متزوجة من يهودي، كما هي حال ابنة المرشح الجمهوري دونالد ترامب. ولهذا الأخير أحفاد يهود، أما أحفاد ساندرز مسيحيون.
وقبل أن يفرط العرب في إبداء مخاوفهم من انتخاب رئيس يهودي عليهم أن يتذكروا أنه لو فاز ليبرمان مع آل جور ما فعلا بهم ومعهم ما فعله الثنائي الفائز وقتها بوش- تشيني، وويلات غزو العراق وأفغانستان تشهد على ذلك.
سبب آخر لا يدعو للقلق هو أن مراجعة تصريحات ساندرز حول الصراع العربي - «الإسرائيلي» تشير إلى اعتداله النسبي في تأييد «إسرائيل». بل إنه بحكم توجهه اليساري أكثر اعتدالاً من هيلاري. ومواقفه عموما تعكس الاتجاه العام السائد بين الديمقراطيين من حيث الدفاع عن «إسرائيل» وحقها في الوجود، وفي الدفاع عن نفسها، مع تأييد حل الدولتين.
ولا يخلو تاريخ ساندرز من تصريحات ينتقد فيها بعض التصرفات «الإسرائيلية» مثل تكسير عظام الفلسطينيين خلال الانتفاضة الأولى، أو الإفراط في استخدام القوة في الهجوم على غزة 2014.
ومن الإنصاف القول إن المعركة الانتخابية الأمريكية لا تدار عادة على أساس ديني حتى مع الأخذ في الاعتبار نفوذ اليهود. ولا يعنى كون ساندرز يهودياً أنه سيستحوذ على أصوات اليهود، تماماً كما أن هيلاري لم تفز بأصوات النساء في جولتي «آيوا» و«نيوهامبشاير» رغم كونها سيدة. ولو فازت بترشيح الحزب أو بالرئاسة فسيكون ذلك لخبرتها وبرنامجها وليس بفضل أصوات النساء. ولم يقل أحد ولم يثبت أن ساندرز اكتسح انتخابات نيوهامبشاير وهزم هيلاري لأن اليهود تكتلوا خلفه.
لا يتسع المقام للحديث عن القضايا الخارجية في برنامج المرشحين الديمقراطيين لاسيما ما يتعلق بالشرق الأوسط. نكتفي بالتأكيد على أن الموقف من القضية الفلسطينية منفصل تماما عن مسألة ديانة ساندرز. فهو ليس أكثر انحيازاً ل «إسرائيل» من هيلاري أو غيرها. بل ربما تكون يهوديته عامل ضغط يدفعه لإبداء قدر من التوازن أو على الأقل التظاهر بذلك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"