اللاجئون والمسألة الأخلاقية

03:01 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

يتعامل القانون الدولي مع اللاجئين انطلاقاً من مفاهيم محدّدة، تتعلق بتعرّض الأفراد إلى تهديدات جدية في موطنهم الأصلي، لأسباب عرقية، أو دينية، أو سياسية، أو إنسانية، وتعدّ اتفاقية جنيف لعام 1951 المرجع الأساسي لكل البروتوكولات اللاحقة، أو التعديلات التي تحدث بين وقت وآخر، وبهذا، فإن اللاجئين بسبب الحروب الأهلية تنطبق عليهم تلك القوانين، وتصبح الحرب، بكونها حالة تهديد عام لحياة الأفراد المقيمين في مناطق النزاع، هي الغطاء العام الإنساني/ القانوني الذي يستوجب منحهم حقّ اللجوء، مع وجود دعم قوي لهذا الحق في حال كان طالب اللجوء فرداً من إحدى الأقليات العرقية، أو الدينية المعرّضة بشكل أكبر للتهديد، كما في حالة الأقلية الإيزيدية في العراق، التي عانت بشكل خاص خطر الإبادة الجماعية، خلال موجات الهجوم المتكررة لتنظيم «داعش» الإرهابي عليها.
ومنذ سنوات، ونتيجة للحروب الأهلية في بعض الدول العربية التي عرّضت حياة الملايين للخطر، فإن قضية اللجوء عادت إلى واجهة السجال السياسي والقانوني على الساحة الدولية، وفي داخل الدول التي استضافت اللاجئين، خصوصاً الدول الأوروبية، بل إنها أصبحت أداة من أدوات الصراع بين الدول، ما يترك علامات استفهام كبيرة حول القانون الدولي، بموجباته الأساسية الإنسانية، والقانونية، نتيجة للتجاهل الكبير الذي يحدث لأوضاع اللاجئين في أماكن مختلفة، والتذرع الدائم بما يسمى «نقص الموارد» في مواجهة احتياجات اللاجئين المتعددة، التي من شأن تأمينها أن يكفل لهم الحدود المعقولة لحياة إنسانية كريمة، وعدم تحويل قضيتهم إلى مجال للمزايدة السياسية بين مختلف الأطراف.
بعد الحربين العالميتين اللتين طالتا أوروبا بشكل خاص، استدعت الحاجة إلى إيجاد قوانين تنظم عملية اللجوء على المستوى الدولي، بحيث تمتلك تلك القوانين ما يسمى «قوى إنفاذ القانون»، وجعله ملزماً للدول الموقعة على «اتفاقية جنيف»، وتعدّ دول الاتحاد الأوروبي من أكثر الدول الملتزمة بتطبيق تلك القوانين، مع حدوث متغيّرات سياسية جعلت مسألة «إنفاذ القانون» تتعرّض إلى عملية تكيّف، تقوم بها كل دولة على حدة، وفقاً لاعتباراتها الخاصة، والتي تصاغ من قبل الأحزاب المهيمنة، أو نتيجة للمزايدات بين أحزاب السلطة، والمعارضة، كما يحدث منذ سنوات في ألمانيا، بين حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» الحاكم، وبين «حزب البديل» المحسوب على اليمين المتطرّف.
وفي الأسابيع الأخيرة، عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى تهديداته المعهودة بفتح حدود بلاده أمام اللاجئين السوريين، للعبور نحو اليونان، ومن هناك إلى أوروبا، مذكّراً بموجة اللجوء الواسعة التي حدثت في عام 2015، حيث عبر مئات الآلاف إلى أوروبا، ما اضطر مختلف الدول الأوروبية للتعامل المباشر مع حالة طارئة، لا تزال آثارها تتفاعل داخل أروقة السياسات الأوروبية، وقد سارعت الحكومات الأوروبية والأحزاب السياسية، على خلاف مواقعها، إلى التفاعل مع تهديدات الرئيس التركي، وقد اعتبرت معظم الدول الأوروبية التهديدات التركية بمثابة ابتزاز سياسي، لا علاقة له بشكل مباشر باللاجئين، وإنما بالضغط المباشر على أوروبا، للوقوف مع سياسات أنقرة في صراعها مع موسكو.
ومعظم التحليلات البحثية الجدّية، اعتبرت أن نقص الإرادة الدولية، وصراعات المصالح بين الدول، كانا عاملين حاسمين في اتّساع موجات اللجوء في العقد الأخير، فقد تركت السياسات الدولية المعضلات السياسية الرئيسية من دون حلول، ما فتح الباب أمام تحوّلها إلى حروب أهلية، بدعم قوى إقليمية ودولية، مع وجود قراءات ومصالح متباينة لدى مختلف الأطراف حول قضية اللاجئين، خصوصاً لجهة الاستخدام السياسي، أو لاعتبارات تتعلق بمسائل استراتيجية، كما في بعض القراءات التي تقول إن موجات اللجوء المستمرة منذ سنوات قد تكون أحد الحلول المعقولة لمشكلة العمالة في بعض الدول الصناعية الأوروبية.
إن الجذر الأساسي للقوانين الدولية التي تكفل حق اللجوء، وما يترتّب عليه من حقوق تتصل بالحياة الكريمة والآمنة، يتصل بشكل مباشر بالقضية الأخلاقية/ الإنسانية، وهي من حيث المبدأ يجب ألا تكون عرضة للاستخدام السياسي، أو تحويلها مادة للصراع، أو أداة ضغط وابتزاز، لكن الواقع العملي الراهن يشير إلى أن الجانب الأخلاقي الإنساني في حالة تراجع خطيرة، ما يجعل من القوانين الدولية نفسها موضع تساؤل في لحظة احتدام دولي على المصالح، وفي ظل غياب نظام دولي واضح المعالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"