المسألة الدينية في الصين

03:33 صباحا
قراءة دقيقتين
الحسين الزاوي

عرفت الممارسة الدينية في الصين عودة قوية خلال السنوات الماضية بعد عقود من الزمن على الثورة الماوية التي عملت في نسختها الثقافية على التضييق على المعتقد الديني للمواطن الصيني، من خلال منح صلاحيات واسعة لكوادر وأجهزة الحزب الشيوعي الصيني من أجل محاصرة المد الديني في البلاد. وتعود المسألة الدينية إلى الواجهة مرة أخرى في سياق ظروف دولية تتميز بوجود علاقات متوترة، ما بين الصين والدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة، وفي لحظة تاريخية فارقة تشهد فيها «إمبراطورية الوسط» تحولات عميقة على مستوى بنيتها المجتمعية، نتيجة للتطور الصناعي والتكنولوجي الهائل الذي أدخل قيماً جديدة للمجتمع ودفع المواطن الصيني إلى التأثر بنمط معيشة الإنسان الغربي، في سياق مسار تنموي يتميز بتطور غير مسبوق لنمط الإنتاج الرأسمالي ذي الجذور البروتستانتية.
وتحاول بكين التعامل بأسلوب واقعي مع هذه «الصحوة» الدينية المتنامية عبر مختلف المقاطعات؛ الأمر الذي دفعها إلى توقيع اتفاق تعاون مع دولة الفاتيكان في 22 سبتمبر/‏أيلول 2018، من أجل منح حرية أكبر للممارسة الدينية في سياق مبدأ «الكنيسة الوطنية» الذي دافعت عنه الصين منذ الخمسينات من القرن الماضي، والذي يجعل الكنائس الصينية تحظى باستقلالية في تسيير شؤونها عن مركز البابوية في روما. وقد أدى هذا الاتفاق الجديد بين الطرفين، إلى بروز العديد من التحفظات التي سجلتها قيادات من الكنسية الكاثوليكية، بشأن هذا الاتفاق الذي يقدم برأيها، تنازلات غير مبررة للسلطات الصينية.
وتؤكد كل المعطيات أن ظاهرة التدين في الصين تنتشر بمعدلات لافتة للنظر، اعتماداً على أرقام ذات مصادر متباينة. فعلاوة على عودة الممارسة الدينية المتعلقة بالشعائر المحلية مثل الطاوية، هناك تزايد كبير في أعداد البوذيين والمسيحيين وخاصة من معتنقي المذهب البروتستانتي، الذي وصل أصحابه إلى 38 مليوناً، إضافة إلى 6 ملايين كاثوليكي، و20 مليون مسلم، بحسب التقديرات الرسمية.
كما أن علاقة الصين بالديانة اليهودية يميّزها التوجس وعدم الثقة في النشاط الديني اليهودي الذي تطوّر تاريخياً بفضل اليهود الذين وفدوا إليها انطلاقاً من إيران والهند. وتحاول «إسرائيل» في المرحلة الراهنة ومعها اللوبي اليهودي في أمريكا، المحافظة على الحضور اليهودي في الصين من أجل الدفاع عن المصالح «الإسرائيلية» في هذه المنطقة الحيوية من العالم، بالاعتماد على الحضور التاريخي لليهود في منطقة كايفينج التي استوطنها رحالة وتجار يهود في زمن تجارة طريق الحرير.
أما بالنسبة للإسلام الذي شهد تطوراً كبيراً في الصين منذ الفتح الإسلامي، فإن الحكومة الصينية التي لا تريد لأي معتقد ديني أن ينافس الدولة في سلطتها على المجتمع، لذلك فإنها تتعامل معه بحذر شديد، خاصة مع بداية انتشار ظاهرة الإسلام السياسي في الدول العربية والإسلامية، كما تتعامل بشيء من الشدة مع بعض العرقيات المسلمة مثل الإيجور، وتقوم بالتضييق عليهم في ممارسة شعائرهم، بسبب تخوفها من التطلعات السياسية والتوجهات الانفصالية لبعض النخب المسلمة في البلاد.
ونستطيع أن نخلص في السياق نفسه، إلى أن سرعة انتشار ظاهرة التدين في الصين في زمن العولمة تضع السلطات الصينية أمام تحديات غير مسبوقة، تفرض عليها تبني استراتيجية جديدة قادرة على استيعاب حالة التعدد الديني في البلاد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"