المسألة الكردية بين العرب والعجم

02:30 صباحا
قراءة 4 دقائق
الحسين الزاوي
عرفت المسألة الكردية تطورات كبيرة منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية وبداية تأسيس الدول الوطنية في جغرافيا الشرق الأوسط، وعرفت هذه المسألة موجات عدة من المد والجزر على خلفية صراع القوى الإقليمية والدولية في المنطقة منذ الحرب العالمية الأولى. ومن المرجح، بحسب معظم القراءات والتحليلات السياسية المتداولة في المرحلة الراهنة، أن تُسهم القضية الكردية، خلال السنوات والعقود المقبلة، في رسم معالم الخارطة المستقبلية للشرق العربي والإسلامي برمته، حيث تشير كل المقاربات إلى محورية المسألة الكردية بالنسبة لكل المشاريع الهادفة إلى تحقيق أمن واستقرار دول وشعوب الشرق الأوسط، من منطلق أن الأكراد ينتشرون بنسب متفاوتة في أكبر وأهم دول المنطقة لاسيما في العراق وتركيا وإيران وسوريا.
وقد عرفت الطموحات السياسية للأكراد تطورات لافتة، من جمهورية مهاباد التي تأسست في رقعة صغيرة من خريطة إيران، إلى إقليم كردستان العراق الموسّع الذي يتمتع باستقلال شبه كامل عن الحكم المركزي في بغداد، وبميليشيا عسكرية قوية ومنظمة، الأمر الذي يشير إلى أن الأكراد على عتبة مرحلة جديدة وحاسمة في تاريخهم المعاصر، وذلك بالرغم من محاولة نخبهم السياسية نفي وجود نيّة لديهم، في إقامة كيان كردي موسّع يشمل أراضي كل الدول التي توجد بها الأقليات الكردية.
وجاءت الأزمة السورية الحالية بكل تفاصيلها وتفاعلاتها الداخلية والخارجية، لتعطي للمسألة الكردية أبعاداً جديدة، حيث إنه وبالرغم من التأثير السياسي للأكراد السوريين كان حتى وقت قريب شبه منعدم في سياق معادلة التوازنات الإقليمية، نتيجة لتواضع نسبة الأكراد في سوريا قياساً بعددهم في كل من تركيا والعراق وإيران، إلا أن التطورات الأخيرة باتت تعطي للأكراد السوريين وضعاً مميّزاً واستثنائياً بالنظر إلى النجاحات الكبيرة التي باتت تحققها القوات الكردية في مناطق الصراع المتعددة ضد الإرهاب في سوريا.
ويمكن القول، إن التدخل التركي الأخير في سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية المتّهمة من طرف حكومة أنقرة بأنها تمثل الذراع السوري لحزب العمال الكردي في تركيا، جاء ليعمِّق من جراح المأساة السورية، حيث رفضت الولايات المتحدة التدخل التركي في سوريا ضد الأكراد، وطلبت موسكو من أنقرة أن يتم أي عمل عسكري في سوريا بالتنسيق مع حكومة دمشق، ما يؤشر إلى عودة محتملة للتوتر بين العاصمتين. بيد أنه وبالرغم من الرفض الأمريكي والتحذير الفرنسي من التدخل التركي في سوريا ضد وحدات حماية الشعب، إلا أن الأكراد الذين خاضوا حرباً شرسة وبطولية ضد المنظمات الإرهابية في سوريا والعراق، تملكهم شعور ضاغط بخذلان المجتمع الدولي لهم. وبخاصة وأن التدخل التركي الأخير أعطى انطباعاً واضحاً أن حكومة أردوغان معنية بالدرجة الأولى بمحاربة ما تسميه «الإرهاب الكردي»، وليس الإرهاب التكفيري الذي يتصدر اهتمامات المجتمع الدولي.
ويرى المراقبون الدوليون أن المسألة الكردية أخذت كل هذه الأبعاد السياسية خلال العقود القليلة الماضية، بسبب سياسات الإقصاء التي مارستها الدول الوطنية الحديثة ضد الأكراد، فقد رفضت دول إقليمية مثل تركيا مجرد الاعتراف بوجود عناصر هوية كردية مغايرة، ومنعت المواطنين الأكراد من مجرد استعمال لغتهم الخاصة، وبالتالي فإن العزف على وتر القوميات المحلية الضاغطة، كان له تأثير سلبي على المستوى السياسي، وأسهم في تأجيج المشاعر الوطنية لدى قطاع واسع من الأكراد الذين لم يتم استيعابهم في بنية السلطة داخل الدول التي كانوا يتواجدون بها.
ومن الصعوبة بمكان أن نغفل في هذا السياق، الإشارة إلى أن المسألة الكردية كانت دائماً تمثل ورقة ضغط كبيرة بيد القوى الكبرى، التي عملت على توظيفها بين الفينة والأخرى ضد دول المنطقة من أجل الحصول على تنازلات سياسية واقتصادية؛ لأن هذه القوى لم تكن معنية بالدفاع عن الحقوق الوطنية للأكراد، بقدر ما كانت مهتمة بالدفاع عن مصالحها الجيوسياسية والجيوإستراتيجية في هذه المنطقة الحيوية من العالم. وعليه فإن الاعتراف بمشروعية الطموحات الهوياتية للأكراد، لا يعني البتة الانسياق وراء مشاريع التقسيم الهادفة إلى تفتيت وحدة دول المنطقة، لأننا إذا اعتمدنا على عناصر الهويات الجزئية فقط، من أجل تأسيس دول أو كيانات سياسية مستقلة، فإن الأمر لن يقف عند الأكراد، لأن الشرق الأوسط هو موطن التنوع والتعدد والفسيفسائية بامتياز.
ومن ثمة فإن الخيار الثقافي والحضاري لشعوب الشرق الأوسط يمكن أن يمثل على المدى المنظور حلاً للمشكلات العرقية لسكان المنطقة، لأن الاختلاف بين «الكردي العربي» و«الكردي الأعجمي»، لا يمثل اختلافاً من حيث العرق، ولكن من حيث الرهان الثقافي الذي يجري تبنيه، من منطلق أن العروبة كانت تمثل، عبر كل مسارها التاريخي، خياراً ثقافياً وحضارياً، ولم تكن ترجمة أو رمزاً وعنواناً لانتماء عرقي مزعوم، كما هو الشأن بالنسبة للقومية التركية على سبيل المثال، الأمر الذي يستوجب - في زعمنا- اعتماد مقاربات متعددة بالنسبة للمسألة الكردية في دول المشرق، نتيجة للخصوصيات التي تميّز وجود الأكراد في كل منطقة على حدة، حيث إنه وبالإضافة إلى خصوصية الأكراد العرب التي تحدثنا عنها، فإن الفرس كانوا ينظرون من الناحية التاريخية إلى الأكراد على أنهم من أصول إيرانية. ويمكن الانطلاق بناءً على ما تقدم، من دولة المواطنة الديمقراطية والتعددية في أبعادها الأكثر تطوراً وانفتاحاً، لنصل إلى حلول توافقية وتشاركية لكل صراعات وأزمات الشعوب العربية والأعجمية، في هذا الفضاء الجغرافي المفرط في التعقيد والشديد التنوع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"