نظرة استشرافيّة إلى التراث

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

هل مزاجك على ما يرام؟ بنزاهة، ليس هذا الموضوع من مفتّحات الشهية إلى الترفيه في العطلة الصيفيّة. قضايا ترميم الهويّة أثارت شؤوناً لها شجون. وهذه متشابكة، كالنباتات المتسلّقة، ولكن الأواصر بينها كسلاسل الحمض النووي، بالرغم من تباعدها في طبيعتها أحياناً: مشكلات اللغة العربية لا تشبه ظاهريّاً معضلات الجغرافيا السياسية، ولا إشكاليات المناهج العربية، ولا المسائل المعلّقة في الثقافة العربية.

خذ مثلاً علاقة العالم العربي بالميراث الثقافي بأوسع مفاهيم الثقافة. العقبة الأساسية هي استعصاء الفهم على الكثيرين أن أحكام عشاق التراث عشقاً عاطفيّاً، وآراءهم ومفاهيمهم، ليست خالدةً ولا شبه خالدة، خصوصاً في هذا العصر الذي جعل العصر سنوات معدودات. بالأمس القريب وُلد الحاسوب الشخصي والشبكة العنكبوتية، نحن اليوم نمرح مع الذكاء الاصطناعي، ولا يعلم أحد بالضبط كيف تكون الحياة في منتصف القرن.

إن الزمن رحلة طبقاً لمفاهيم السرعة في العصر. شبيبة عام 2050 فصاعداً، لن يكون في مقدورهم تخزين التراث كما هو بحذافيره. ذلك ممكن أرشيفيّاً، التخزين المهمّ هو هضم الأذهان والأفهام للتراث، وجعله في محور القيم الحيويّة.

قد يكون القول ثقيلاً، وهو ليس ترفيهاً. غير مستغرب الاعتقاد أنّه حتى من بين المثقفين من يتعامل مع مجموع الميراث الثقافي، مثلما يتعامل الناس مع مراكز التسوق. من دون لبس وإيهام: لا أحد يدخل متجراً بحثاً عن تشكيل منظومة قيم. الاستهلاك هو المبتدأ والخبر. تأمّل جيّداً كم تحتل مصنّفات التجميع من مكان ومكانة في المكتبة العربية: «صبح الأعشى»، «العقد الفريد»، «محاضرات الأدباء»، «المستطرف»، والعشرات. إنها معارض بضائع مترامية الأطراف، تراكمية، تكديسية.

هدئ من روعك بهذه التجربة الذهنيّة: تخيّل نفسك على سفر، ولديك مكتبة ورقية عملاقة، فيها كل أمّهات الكتب التجميعية، ولا مجال لنقلها بكل أجزائها، ولا وجود لنسخها الرقمية المصوّرة، وأنت لست الصاحب بن عبّاد لحملها على أربعمئة بعير. علماً بأن أهل النظر العرب لم يعيدوا قراءة التراث بطريقة عصرية يستخلصون منها منظومة قيم فكرية ثقافية حضارية استشرافية، تنير دروب الأمّة. أنت إلى اليوم في عقلك وروحك بقايا من الماضي، فهل سيكون أحفادك في العقود، الخامس والسابع والتاسع، لهم العلاقات نفسها، أم ستكون مفاهيم الأصالة عندهم مستمدّةً من ذكاء مزيج من البيولوجي والاصطناعي؟

فتى 2070 سيقرأ بيسر «اللزوميّات» للمعرّي؟«إن لم تُعنْهُ فمن يعينُهْ»؟

لزوم ما يلزم: النتيجة الاقتراحية: على المثقفين اليوم إهداء مكتبة تراثية حياتية عمليّة، عبر إعادة القراءة العصرية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2cnn7vk5

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"