المساءلة وإعادة انتخاب ترامب

05:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

جون فيفر *

إحدى السّمات المميِّزة للنظم السياسية الديمقراطية، أنّ الناخبين فيها يغيِّرون رأيهم عندما تتغير الظروف. ففي كوريا الشمالية، يدعم 100% من الناخبين ائتلاف الحزب الحاكم في الانتخابات تِلوَ الأخرى. وفي كوريا الجنوبية، منذ عام 1998 دعم الناخبون 10 سنوات من المرشحين التقدّميّين، تَبِعَتْها 10 سنوات من المرشَّحين المحافظين. وبعد ذلك، في أعقاب تحوُّل دراماتيكي في الرأي العام، احتشد الكوريون الجنوبيون لإقالة الرئيسة السابقة، بارْك غوين هاي.
وفي الولايات المتحدة، انتخب الأمريكيون باراك أوباما لفترتيْن، ثم اختاروا شخصاً مختلفاً تماماً في عام 2016. وفي الواقع، فإنّ ما بين ستة وتسعة ملايين من الذين صوّتوا لصالح أوباما عام 2012، تحوَّلوا إلى دونالد ترامب في عام 2016.
ومن الصعب معرفة ما سيحدُث في انتخابات عام 2020. ولكنْ على الرغم من انكشاف عدد من سلبيات إدارة ترامب، ظلّ الرأي العام حول الرئيس ثابتاً إلى حدٍّ ما.
وتشهد معدّلات تأييد دونالد ترامب ارتفاعاً وانخفاضاً منذ انتخابه، ولكنْ ليس بقدْر كبير. وباستثناء فترة تسلُّمه زمامَ منصبه، عندما تَمكَّنَ من الحصول على نسبة تأييد بلغت 45%- مقابل 41% من عدم التأييد- فإن غالبية الأمريكيين لم تكن مؤيّدة لأسلوبه في أداء مهمته. وقد تأرجحتْ نسبة التأييد له حول 40%. ولذلك، ربما لا يُستغرَبُ أن جلسات استماع المساءلة الحالية في الولايات المتحدة، ذات تأثير ضئيل على الرأي العام. وقد بقي الدعم للمساءلة ثابتاً حول 46%. وفي الواقع، على الرغم من الأدلة الإضافية المؤذية، على أن الرئيس الأمريكي حاول بالفعل الضغط على الرئيس الأوكراني زيلينسْكي، للمساعدة في تعزيز احتمالات إعادة انتخاب ترامب، فإن تأييد إجراء المساءلة انخفض قليلاً.
لقد حزَمَ الأمريكيون أمرهم بشأن دونالد ترامب. بالنسبة إلى مَن يعارضون الرئيس، فإن الأدلة على ارتكاب مخالفات، التي تظهر من جلسات استماع المساءلة، تعزز أسوأ مخاوفهم بشأن الإدارة. أمّا مؤيدو ترامب، فهُم يسيرون على خُطى الحزب الجمهوري برفض جلسات الاستماع واعتبارها مثيرة للسأم، أو تافهة أو غير ذات صِلة. وفي ما يتعلق بالانتخابات، يعتمد الكثير على الاقتصاد الأمريكي. ومعدّل البطالة يساوي 3.6%، وهو منخفض جدّاً. والسوق المالية مُزدهرة.
صحيح أن النموّ الاقتصادي منخفض، ومستويات الدّيْن تمضي في الارتفاع الشديد سريعاً، والنزاعات التجارية مستمرة في ضرب قطاعات معينة بشدّة. ولكن ترامب يحاول فعل كل ما هو ممكن لمنع حدوث الركود الذي لا مناص منه، قبل انتخابات عام 2020. ويعلم ترامب أنه لا يحتاج إلاّ إلى زيادة أعداد مؤيديه بنقطتين مئويّتيْن، في اثنتين من الولايات الرئيسية- هما ويسكونسن وفلوريدا- لكي يفوز في عام 2020. والاقتصاد القوي جزء أساسي من خطته لتحقيق النجاح. ويستمر الرئيس في تصوير نفسه باعتباره خارجاً عن السرب يرغب في اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة الوضع السياسي الراهن. والناخبون الأمريكيون يرغبون في «التغيير» باستمرار وهذا هو السبب في تصويت كل هذه الملايين العديدة من الناس لصالح أوباما ثم لصالح ترامب. ويعتقد ما لا يقل عن 40% من الناخبين أن ترامب يحارب المصالح الفاسدة المستحكِمة.
وجلسات استماع المساءلة- لسوء حظّ الديمقراطيين- تعزز رواية ترامب بأنه «داوود»، يواجه «جوليات» الدولة. وبالنسبة إلى الرئيس، فإن كل ما في الأمر، أنه كان يحاول استئصال الفساد، بدعوة الرئيس الأوكراني إلى التحقيق في ما قيل عن أخطاء نجل بايدن، وتدخّل أوكرانيا المزعوم في الانتخابات الأمريكية في عام 2016. ولا تعتقد قاعدة ترامب الانتخابية، بأن هذه المزاعم قد كُشِف زيْفها بالكامل.
إذنْ، علينا ألّا نتوقع أنّ معدلات التأييد لترامب سوف تنخفض مثل رئيسة كوريا الجنوبية السابقة، بارْك غوين هاي أثناء جلسات الاستماع هذه. سوف يستمر الرئيس في المحاججة بأن الديمقراطيين يسعون إلى إسقاطه الآن من خلال المساءلة، لأنهم لا يعتقدون أنهم قادرون على التخلص منه بالفوز عليه في انتخابات عام 2020. ومهما تكنْ تلك الحجة مضلِّلة، فإن ترامب قد يكون على صواب بشأن فُرَصِه في الانتخابات المقبلة.
ومع ذلك، فإن استراتيجيته تنطوي على مخاطَرة. فالبرنامج الانتخابي، والخطاب، اللذان يثيران الاستقطاب، يمكن أن يبعثا الحماس في القاعدة الانتخابية. ولكنهما يستطيعان أيضاً أن يخلقا ما يكفي من الخصوم، للقضاء على مستقبل سياسي.

* مدير مركز أبحاث «فورين بوليسي إنْ فوكَس» التابع لمعهد دراسات السياسة في واشنطن. موقع: «فورين بوليسي إنْ فوكَس»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"