المهمة الأولى لرئيس مصر القادم

04:37 صباحا
قراءة 3 دقائق
من المؤكد أن مهمات لا تعد ولا تحصى تنتظر من سينتخبه المصريون رئيساً لهم في الأسابيع المقبلة، سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو التربوي أو العسكري . وهي مهمات تفترض أنها منذ الآن لا تغيب عن بال أي مرشح جدي لانتخابات رئاسة الدولة العربية الكبرى، في هذه الظروف الصعبة . لكننا ممن يعتقدون أن هناك على رأس كل هذه المهمات، المهمة الأم التي تعد بقية المهمات فروعاً لها . إنها مهمة استعادة دور مصر الاستراتيجي العربي والدولي الذي وضع حداً له أنور السادات باتفاقيات كامب ديفيد، وظل يتنازل به إلى درك لا حدود له، عهد حسني مبارك، حتى تم خلعه .
إن استعادة هذا الدور الاستراتيجي عربياً ودولياً، سرعان ما سيضع رئيس مصر الجديد، شاء أم أبى، تأخر أم تعجل، أمام مواجهة مباشرة مع اتفاقيات كامب دافيد، التي أخرجت مصر نهائياً من المواجهة، قبل فرض الحل التاريخي العادل للصراع العربي - "الإسرائيلي"، وتفكيك المشروع الصهيوني الاستيطاني من أساسه .
لقد تشوهت الأمور حتى تدهورت الأوضاع العربية (وعلى رأسها المصرية) إلى الحضيض عندما أسهمت اتفاقيات كامب ديفيد بنزع الصفة الاستراتيجية التاريخية للصراع العربي- "الإسرائيلي" وتحويله إلى صراع فلسطيني - "إسرائيلي" على عدد من الكيلومترات التي احتلت في حرب 1967 .
يقول لنا تاريخ هذه المنطقة العربية، إن مشروع إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، لم يبدأ بالظهور والتبلور إلا في الأوساط الأوروبية الاستعمارية، في منتصف القرن التاسع عشر، أي قبل اغتصاب فلسطين بقرن كامل، في وزارتي خارجية الدولتين الاستعماريتين الأكبر في ذلك الزمن: بريطانيا وفرنسا، ليس لتوجيه الأذى بالدرجة الاولى إلى عرب فلسطين، بل لحل المشكلة الكبرى التي سببتها انتصارات الجيوش المصرية بقيادة إبراهيم باشا، في بلدان المشرق العربي، وصولاً إلى تهويد عاصمة الإمبراطوية العثمانية في الأستانة .
فسرعان ما اكتشفت الدوائر الاستعمارية الكبرى في تلك الأيام، أن التقارب السهل والممكن، بين مصر ومنطقة المشرق العربي بالذات، يمكن أن يؤدي إلى ولادة كيان سياسي عربي يصل إلى درجة الدولة الكبرى في هذه البقعة الاستراتيجية الحساسة من العالم، ولا سبيل إلى استبعاد هذا الخطر على مصالح الدول الاستعمارية الا بإقامة حاجز بين مصر ومنطقة المشرق العربي . ولم يكن هذا الحاجز في النهاية سوى مشروع اغتصاب فلسطين، ومنحها لليهود الأوروبيين يستعمرونها لحساب أوروبا الاستعمارية .
إن ضرب الدور العربي الممكن لمصر كان، إذاً، في أساس نشوء المشروع الذي نفذ في منتصف القرن العشرين، وحمل اسم الصراع العربي- "الإسرائيلي" . وكان كل ما فعله انور السادات هو الهروب من هذا الصراع بالكامل، بحجة استرداد أرض سيناء، منزوعة السلاح والاستقلال الوطني .
لن نذهب إلى تبسيط الأمور بالاعتقاد أن الرئيس المصري القادم، سيفتتح عهده بإلغاء اتفاقيات كامب ديفيد، فالامور أشد تعقيداً بكثير من هذه الحلول المثالية، المهم هو نزع كل ما في هذه الاتفاقية من عوامل تستمر في إبقاء مصر خارج الصراع التاريخي، وإلغاء دورها المركزي فيه .
إن عودة مصر إلى قيادة عالمها العربي في هذا الصراع الطويل المرير، لن يشد من عزيمة العرب فقط، بل سيطلق في مشرق الوطن العربي ومغربه كل عوامل النهضة التاريخية، ودخول العرب العصر الحديث من أوسع أبوابه، في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية .
هذه هي المهمة الأم التي تنتظر رئيس مصر القادم، بحيث لا يجوز أن تنتهي مدة ولايته الأولى، بسنواتها الأربع، إلا وقد استعاد الوطن العربي دور مصر المركزي الاستراتيجي، في مواجهة الصراع الذي ما انطلق منذ منتصف القرن التاسع عشر، إلا لضرب دور مصر العربي واستبعاده .

إلياس سحّاب

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"