النظام الدولي وصراع الطاقة والعولمة

05:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو
تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من حسم الصراع في مجال التحكم بمصادر النفط لمصلحتها في ثمانينات القرن الماضي، وهو ما أسهم بشكلٍ رئيس في التعجيل بانهيار الاتحاد السوفييتي، وتحوّل الولايات المتحدة إلى قائدة للنظام الدولي، في الوقت الذي كان يعاني فيه الروس أزمات ما بعد الانهيار، من مثل تراجع قيمة العملة «الروبل»، وانهيار المؤسسات، وانتشار الفساد، وغيرها الكثير من الظواهر الاقتصادية والاجتماعية التي تفشّت بسبب انهيار الدولة العظمى، واستقلال البلدان المنضوية تحتها.
وكان واضحاً أن القيادة الروسية، خلال أوائل تسعينات القرن الماضي، قد اختارت المضي في طريق الليبرالية الاقتصادية، مع الحفاظ على المؤسستين العسكرية والأمنية، وإعادة هيكلتهما، انطلاقاً من قناعة صنّاع القرار آنذاك بأن ضمان أمن روسيا ومكانتها في العالم يعتمد بشكلٍ رئيس على قوتها، وأن تراجع هذه القوة الصلبة سيكون مكلفاً على المدى البعيد، وأن عودة روسيا إلى لعب دور حيوي في النظام الدولي ستكون صعبة، بل مستحيلة، من دون الحفاظ على القوة الصلبة.
إن انهيار الاتحاد السوفييتي ترك خللاً كبيراً على النظام الدولي الذي تشكّل بعد الحرب العالمية الثانية، فقد تراجعت مكانة فرنسا وبريطانيا في النظام الدولي، بينما انشغلت الصين في تطوير اقتصادها، عبر خطط خمسية، تتبنى اقتصاد السوق، مع الحفاظ على قيادة الحزب الشيوعي الصيني، في سعي منها إلى مواكبة التنافسية الجديدة التي طرحتها العولمة، عبر ثورتي التقانة والاتصالات، مع الحفاظ على القيادة المركزية للدولة.
وخلال السنوات الأخيرة، تراجعت مكانة النفط كسلعة ريعية، فقد راحت هذه السلعة تتحوّل تدريجياً إلى سلعة كباقي السلع، وهو ما عكسته التراجعات الكبيرة في أسعار النفط، خصوصاً مع دخول النفط الصخري إلى سوق النفط، وزيادة الاعتماد العالمي على الغاز، حيث بات من المتوقع أن يحتل الغاز المرتبة الأولى، من حيث مصادر الطاقة المعتمدة في الصناعة والتدفئة، ويبدو أن الصراع على مصادر الغاز قد أصبح أكثر وضوحاً في السنوات الأخيرة، فمكانة الدول الكبرى في النظام الدولي تعتمد بشكلٍ كبير ورئيس على قدرتها في الاستحواذ على مصادر الطاقة.
وإذا كانت روسيا مازالت خارج سوق التنافسية في مجال العولمة التقنية والمعلوماتية، وهما المجالان اللذان تسيطر عليهما الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، فإن روسيا تريد قطع الطريق فعلياً على استحواذ الولايات المتحدة على مصادر الغاز، وهو ما يفسر إلى حدٍّ كبير الاندفاعة الروسية تجاه المتوسط، حيث يشكّل حوض المتوسط أكبر خزان احتياطي للغاز في العالم، وقد برزت المشكلة الروسية مع قبرص في عام 2014، على خلفية منح قبرص شركات أوروبية وأمريكية حق استخراج الغاز، وهو ما دفع روسيا آنذاك إلى سحب استثماراتها المالية من المصارف القبرصية، الأمر الذي كاد يهوي بالاقتصاد القبرصي.
وتعدُّ روسيا المورّد الأهم للغاز في أوروبا، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن ألمانيا تستورد حوالي 80% من الغاز الذي تحتاج إليه من روسيا، وهو ما يشكّل مصدر قلق لألمانيا وأوروبا، ويجعل من تحالفاتها مع الولايات المتحدة من أجل إيجاد مصادر بديلة للغاز الروسي أمراً استراتيجياً، إذ إن تحكم روسيا في الاحتياجات الأوروبية للغاز يفرض معه ضغطاً سياسياً، والمثال الأبرز على ذلك الدخول الروسي إلى أوكرانيا، وقطع الطريق عليها للدخول في الاتحاد الأوروبي، وأسوأ ما في هذا المثال بالنسبة لأوروبا هو استخدام روسيا للقوة العسكرية.
من الواضح أن إعادة بناء نظام دولي جديد ليست بالمهمّة السهلة، وأن الأطراف التقليدية تصارع من أجل الإبقاء على نفوذٍ مهمّ لها في هذا النظام، وسيعتمد هذا الأمر على نتائج الصراع في مجالي الطاقة بشكلٍ عام، والغاز بشكلٍ خاص، وفي مجال العولمة المعلوماتية، ومثل أي صراع فإن الفصول الدموية هي جزء متوقّع دائماً، فسيناريو الصدام المباشر هو سيناريو لا يمكن إغفاله كأحد السيناريوهات المحتملة، مع أنه من المفترض أن هكذا سيناريو بات من الماضي.
وفي الشرق الأوسط الذي يعيش مرحلة مخاض غير واضحة المعالم، فإن الصراع على الطاقة يعود مجدداً، وتعود معه المخاوف من الأزمات التي يمكن أن يوجدها، والتي تبدو معالمها الأولى واضحة في حالة الاستقطاب التي تعيشها المنطقة، وإذا كانت صيغ الصدام الراهنة بين الدول تعتمد بشكلٍ رئيس على الوكلاء المحليين، فإن استنفاد قدرة هؤلاء الوكلاء من شأنه أن يخلق دورات جديدة من التحوّلات، وقد تنعكس في أزمات داخلية، تطال الدول المستقرّة، أو تدفع بعض الدول إلى مغامرات خارجية غير محسوبة العواقب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"