بعيداً عن خطابات الرئيس مرسي

05:49 صباحا
قراءة 3 دقائق

في الأيام القليلة التي فصلت بين إعلان فوز محمد مرسي برئاسة مصر في جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة في مصر، والتسلم الرسمي للرئيس مرسي لمهام منصبه رسمياً، بعد عمليتي قسم رئاسي، واحدة في ميدان التحرير، والثانية أمام المحكمة الدستورية العليا، تدفق الرئيس المصري الجديد محمد مرسي بسلسلة من الخطابات، انشغلت بها الأوساط الصحفية في مصر والبلدان العربية، بل والصحافة العالمية، وأتخذتها مادة في محاولة استكشاف وفهم الشخصية السياسية لرئيس مصر الجديد .

لكن نظرة عميقة إلى مجمل الأفكار السياسية الواردة في هذه الخطابات، ما تلبث أن تؤكد لنا إنها آخر ما يصلح لاستكشاف حقيقة الشخصية السياسية للرئيس المصري الجديد محمد مرسي، وقد خصّ الأديب المصري اللامع، والكاتب السياسي المميز الدكتور علاء الأسواني هذه المجموعة من الخطابات بمقال تحليلي مطول، أثبت فيها عملية التنقل السريع في هذه الخطابات بين مجموعة من الرؤى السياسية المتناقضة، التي لا تشكل أبداً وحدة فكرية متماسكة، يمكن من خلالها رسم ملامح الشخصية السياسية لصاحبها ومطلقها الرئيس المصري الجديد، حتى إنه وضع لمقاله المطول عنواناً طريفاً يطالب فيه الرئيس الجديد بالثبات على موقف من المواقف المتناقضة التي تضمنتها هذه السلسلة من الخطابات السريعة .

والحقيقة أن هذه الخطابات شكلت، مع ذلك، ظاهرة طبيعية، كونها كانت مجرد أوراق اعتماد ورسائل تطمين، كان الرئيس المصري الجديد، في كل واحد من هذه الخطابات يوجهها إلى جمهور جديد، مختلف، عن الجمهور الآخر، من هنا فإن الخطابات لم يكن لها أن تمثل وحدة فكرة متماسكة لدراسة ملامح الشخصية السياسية للرئيس المصري الجديد محمد مرسي، بل كانت أقرب إلى تحيات سياسية أولى يوزعها الرئيس مرسي ذات اليمين وذات اليسار، لتقديم أوراق اعتماده إلى ميدان التحرير أولاً، ثم جماهير منتخبيه ثانياً، ثم المجلس الأعلى للقوات المسلحة ثالثاً، وليس أخيراً .

لذلك تدفقت الأفكار المتناقضة في كل من هذه الخطابات، لأن كل واحد منها كان موجهاً إلى جمهور مختلف، بل أحياناً مناقض .

هذه الظاهرة تؤكد لنا أن البحث عن ملامح نظام الحكم الجديد، في مصر، وعلى رأس السلطة التنفيذية منه مرشح جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الحرية والعدالة، لابد أن يكون بعيداً عن هذه المجموعة من الخطابات السريعة التي أطلقها الرئيس مرسي في أيامه الأولى، ويتوجه إلى البحث في الخطوات التنفيذية العملية التي سيبدأ الرئيس الجديد باتخاذها عملياً، فور تمركزه في القصر الرئاسي .

لقد جاءت الخطوة الأولى من هذه الخطوات التنفيذية تؤكد لنا حقيقة ما ذهبنا إليه، وهي خطوة قيام الرئيس الجديد بإصدار قرار رئاسي يلغي فيه قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحل مجلس الشعب، ودعوة هذا المجلس إلى العودة لمزاولة مهامه .

ولا ندري إذا كان الرئيس مرسي قد أدرك وهو يتخذ هذا القرار الحساس، أنه لم يكن يواجه المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحده، بل يواجه أعلى هيئة في السلطة القضائية المصرية، لأن القرار السابق للمجلس الأعلى، إنما كان مجرد تنفيذ إجرائي، لقرار اتخذته في الأساس المحكمة الدستورية العليا .

لقد دخل الرئيس مرسي، إذاً في نزاع مزدوج مع المجلس الأعلى ومع السلطة القضائية، ودخل من حيث يدري، أو لا يدري، في صراع مبكر بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية .

وبعد أيام قليلة عاد الرئيس مرسي ليتراجع عن المواجهة، ويؤكد أنه يحترم قرارات المحكمة الدستورية العليا .

هذه خطوة عملية أولى، بعيداً عن الخطابات السريعة الأولى، تكشف لنا من شخصية الرئيس الجديد محمد مرسي عن عدم تمرسه بموجبات ممارسة الموقع الأول في السلطة التنفيذية .

وقد يكون هذا الصدام الأول الذي يبدو أنه انتهى سريعاً، بين رأس السلطة التنفيذية ورأس السلطة القضائية، مناسبة جيدة لدخول الرئيس الجديد، في حالة من التروي، لا يتسرع فيها باتخاذ قراراته الأخرى، قبل دراسة معمقة لما يسمح له به منصب رئاسة الجمهورية، وما لا يسمح له به، في ظل نظام ديمقراطي جديد، بعيداً عن الخطابات الرئاسية الأولى، التي لم تكن أكثر من رسائل اطمئنان شكلية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"