تراجعات القضية الفلسطينية

05:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

لا شك في أن التراجع الأكبر الذي طرأ على مسيرة القضية الفلسطينية قد بدأ بتعديل الميثاق الوطني لمنظمة التحرير، ويمكن تلخيص وتبسيط هذا التراجع بأنه جعل لقضية فلسطين طبيعة أخرى، مخالفة بل مناقضة لطبيعتها الأصلية، فحوّلها من قضية وجود لشعب فلسطين الذي احتل القسم الأكبر من بلده في العام 1948 وطردت أغلبية هذا الشعب منه، تسهيلاً وتمهيداً لإقامة دولة #187;إسرائيل#171;، إلى قضية حدود مختلف ومتنازع عليها، نتيجة للقتال المسلح الذي نشب في العام ،1967 بين #187;إسرائيل#171; وكل من مصر وسوريا والأردن .

لم يكن ذلك هو التراجع الأول والأكبر فقط، بل كان التراجع الأم الذي تولدت من رحمه بعد ذلك كل التراجعات التي تصيب قضية فلسطين، والتي تبدو سلسلة لا نهاية لحلقاتها، إلا بالتصفية التامة والكاملة لأصل القضية وطمس معالم الجريمة الأصلية . إن خلاصة فداحة هذه التراجعات، لا تقاس ولا تحسب بالأرقام، أرقام الكيلومترات التي تنتقل من رصيد فلسطين التاريخية إلى رصيد الكيان الصهيوني، لكنها تحسب بتحول الاستراتيجية العامة للنضال الفلسطيني من اللجوء إلى كل الوسائل لفرض الحل التاريخي للجريمة التاريخية الأصلية لاحتلال فلسطين وطرد شعبها، فلسطينياً وعربياً ودولياً، واستخدام كل وسائل المقاومة التي تبيحها الشرائع الدولية لمن احتلت أرض وطنه وشرد منها، إلى خطة متهالكة لاستجداء أي فتات من الكيان الصهيوني المتجبر إزاء التراجع الفلسطيني . المحطة قبل الأخيرة من التراجعات، كانت تتمثل بهدوء شبه كامل لكل وسائل المقاومة الفلسطينية، ودخول نفق المفاوضات مع الكيان الصهيوني المتغطرس، بعد التخلي، على باب المفاوضات، عن كل أوراق القوة التي نملكها .

لقد امتلأ الكيان الصهيوني العنصري سعادة لهذه الخطة الفلسطينية المتهافتة، فراح منذ سنوات طويلة، يستخدمها ستاراً يخفي وراءه كل تفاصيل عملية تهويد الضفة الغربية، والقدس العربية، وهضم المزيد من مساحتها بالمستعمرات الاستيطانية، بحجة أن مسيرة المفاوضات لا تتوقف، علماً أن نتيجة هذه المفاوضات حتى الآن لم تتجاوز الصفر في يوم من الأيام . إن طول فترة هذه المحطة قبل الأخيرة للتراجع، قد حول المفاوضات الفارغة والمشبوهة، إلى #187;أنشودة وطنية#171; على لسان رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن .

أما المحطة الأخيرة للتراجعات التاريخية المتلاحقة فقد تمثلت بسعي السلطة الفلسطينية إلى الحصول على مقعد وهمي لفلسطين في الأمم المتحدة، لا يتجاوز #187;موقع دولة غير عضو في الأمم المتحدة#171;، سيتحول بدوره في ما لو تم، إلى ستارة جديدة، أشد سماكة هذه المرة، لتغطية شراهة الاستعمار الصهيوني العنصري لما تبقى من أرض الضفة الغربية، ومن حدودها #187;الدولية#171; مع الأردن في مناطق الغور، مع تصريحات #187;إسرائيلية#171; علنية بحتمية احتفاظ #187;إسرائيل#171; بكل هذه الأراضي المستعمرة، في حال تطبيق ما يسمى زوراً وبهتاناً ب #187;حل الدولتين#171;، مع الاحتفاظ بالسيطرة الاحتلالية #187;الإسرائيلية#171; لحدود ما تبقى من أرض الضفة الغربية مع الأردن، وهي الحدود الشرقية الدولية المفترضة للدولة المفترضة .

إن معيار فداحة هذه التراجعات التي انطلقت كلها من رحم التراجع الأم بتعديل الميثاق الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، لا يقاس إلا بمدى ابتعاد هذه التراجعات المتدرج والمتفاقم، عن أصل القضية وهو احتلال فلسطين في العام ،1948 وتشريد أغلبية شعبها . انظروا النتيجة العملية لكل هذه التراجعات:

1- إلغاء حق العودة .

2- ضمور الأرض الفلسطينية في ما تبقى من الضفة الغربية إلى عشرة في المئة من أرض فلسطين التاريخية .

3- تهويد القدس العربية تهويداً كاملاً، وبالتالي إلغاء الحلم الفلسطيني بتحويلها إلى عاصمة للدولة المفترضة، هذا إذا أغمضنا العين عما يهدد الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فيها .

4- سلطة فلسطينية مرتبطة باتفاقيات تكامل أمني واقتصادي مع الاحتلال الصهيوني العنصري الذي تحول بعد كل هذه التراجعات إلى المصدر الأساسي الذي يُستجدى منه أي حل فقير للقضية الفلسطينية، بعد أن ضمرت هذه القضية بفعل التراجعات المتلاحقة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"