تركيا بين «إس 400» و«إف 35»

05:39 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمد نور الدين

تواجه تركيا تحدياً جديداً في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، في ما يخص مسألة شراء تركيا لمنظومة صواريخ «أس 400» من روسيا.
وقد أثارت مقالة في صحيفة «نيويورك تايمز» مخاوف جدية في تركيا من مضاعفات إكمال الصفقة التي قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه لا عودة عنها.
والمقالة كتبها عضوان جمهوريان وآخران ديمقراطيان، بمعنى أن هناك توافقاً تاماً بين الحزبين الرئيسيين حول الموقف من صفقة الصواريخ الروسية.
ووردت في المقالة ثلاث نقاط رئيسية:
شراء تركيا صواريخ «أس 400» يعني استبعاد صفقة شراء تركيا لطائرات «أف 35» الأمريكية المتطورة جداً.
إصرار أردوغان على صفقة الصواريخ يعني أن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات على تركيا بموجب قانون مكافحة الإرهاب مع الأعداء عبر العقوبات الاقتصادية.
هذه العقوبات ستُلحق أذى كبيراً بالاقتصاد التركي واضطراب الأسواق وهروب المستثمرين، وكذلك تضرر الصناعات الجوية والدفاعية التركية.
وفي عنوان المقالة ذاتها إشارة إلى ما على تركيا فعله، وهو أن تختار إما الصواريخ الروسية أو الطائرات الأمريكية ولا مجال للجمع بينهما.
ولم يُخف نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس موقفه عندما قال، إن على تركيا أن تختار بين شراء صواريخ «أس 400» وبين الشراكة الأطلسية. تبرر تركيا قرار شراء «أس 400» بأن الولايات المتحدة رفضت في الأساس تزويدها بمنظومة صواريخ باتريوت المتطورة؛ بل إنه عندما نشرت واشنطن وبعض حلفائها الغربيين بضع بطاريات صواريخ باتريوت على الحدود التركية مع سوريا، بعد بدء الأزمة في سوريا، ظن الجميع أن الطريق ممهدة لبقاء هذه الصواريخ بصورة دائمة في تركيا للدفاع ضد التهديدات التي يمكن أن تواجهها من سوريا وقبرص والجنوب عموماً وشرق المتوسط.
وهنا يمكن إدراج الكيان «الإسرائيلي» كأحد هذه التهديدات، لكن الغرب سرعان ما سحب لاحقاً بطاريات باتريوت، مبرراً ذلك بأنه لم تعد هناك حاجة إليها.
ولم يوافق الغرب على بيع تركيا هذه الصواريخ. وحينها بدأ التفكير لدى أنقرة بالخيارات الأخرى، خصوصاً أن تركيا تعتقد جازمة أنها تتعرض لمؤامرة متعددة الأطراف من الولايات المتحدة، و«إسرائيل» وآخرين، تهدف إلى إضعافها وربما إلى تقسيمها. ومن هنا رفضت الولايات المتحدة بيع تركيا صواريخ باتريوت.
وجاءت بعض التطورات في سوريا لتضاعف من الهواجس التركية. والمقصود هنا تحديداً دعم الولايات المتحدة المباشر لمنطقة سيطرة قوات الحماية الكردية شمالي وشرقي الفرات وما تمثله هذه الحالة برأي أنقرة من تهديد للأمن القومي التركي، وضرورة حماية تركيا لحدودها من أي نوع من التهديدات التي تشكلها منظمات تحارب بالوكالة عن القوى الأساسية.
وقد حاولت الولايات المتحدة ممارسة أقصى أنواع الضغوط على تركيا للتخلي عن الصفقة الروسية، ومن ذلك منع تسليم تركيا طائرات إضافية من طراز «أف 35» المتطورة، كان البلدان قد وقعا اتفاقية رسمية لشرائها وقد دفعت تركيا ثمنها كاملاً.
وقد تسلمت تركيا منها أربع وطياروها لا يزالون يتدربون عليها، وسيكون مقرها في قاعدة ملاطيا، حيث تتواصل الإنشاءات الضرورية لجعلها صالحة للاستخدام.
ولا يعتقد مسؤولون أتراك أن سبب امتناع واشنطن عن تسليم هذه الطائرات هو فقط الضغط على تركيا بشأن صواريخ «أس 400»؛ بل كذلك الرضوخ لضغوط اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة لمنع تحوّل تركيا إلى بلد قوي جداً عسكرياً، وهو ما لا تريده لا «إسرائيل» ولا الغرب.
لكن يتبين من النظرة إلى الصورة العامة خلال السنوات الماضية، ومنذ أكثر من عشرين سنة، أن تحوّل نظام الحكم في تركيا من العلمانيين المتشددين إلى إسلاميي حزب العدالة والتنمية، لم يغير شيئاً من الارتباط التركي الوثيق بالغرب والأطلسي، وما لجوء تركيا إلى خيار شراء صواريخ «أس 400» سوى الثمن الذي دفعته تركيا لروسيا مقابل سماح روسيا لتركيا باحتلال المناطق من جرابلس إلى عفرين، وتمكين السيطرة التركية على إدلب، على الرغم من امتعاض دمشق الشديد من العلاقة التركية الروسية بشأن جرابلس وعفرين وإدلب.
ويتوقع مراقبون أن العلاقات التركية الغربية لن تتأثر كثيراً من صفقة الصواريخ الروسية لتركيا. فاليونان الأطلسية تمتلك مثل هذه الصواريخ، لكن الهدف هو تغيير بعض السياسات التركية وجعلها تتماهى أكثر مع أهداف الإدارة الأمريكية سواء في عهد باراك أوباما أو في عهد ترامب. وقد أبقى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الباب مفتوحاً ولو جزئياً، أمام التوصل إلى تفاهمات مع واشنطن عندما قال إن صواريخ «أس 400» قد لا تصل في يونيو/حزيران المقبل؛ بل خلال الأشهر المقبلة؛ إذ إن كلفة القطيعة مع الغرب في ما لو حدثت ستكون باهظة جداً على تركيا اقتصادياً وأمنياً، لكن الدخول في توتر مع روسيا في هذه المرحلة، بالتراجع عن الصفقة، أيضاً ليس في صالح تركيا.
وهنا تكمن معضلة الخيارات التركية بين كلفة القطيعة مع الغرب أو مع روسيا، والمدى الذي يمكن أن تنجح فيه تركيا في اللعب على حبال الطرفين وتدوير الزوايا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"