ثورة 23 يوليو

05:55 صباحا
قراءة 3 دقائق

مع أن ستين عاماً قد مرت حتى الآن على قيام ثورة 23 يوليو، ومع أن ثورة سياسية مضادة قامت عليها بعد رحيل زعيمها جمال عبدالناصر، يبقى لتدفق الاناشيد والأغنيات الوطنية فيما بين انطلاق الثورة (1952) ورحيل زعيمها (1970)، ذكرى لا تبارح أحاسيس ومشاعر المواطن العربي حتى اليوم، ويبقى لرصيد هذه الأناشيد والأغنيات الوطنية القيمة الفنية والموسيقية الأعلى والأرفع في تاريخ الغناء الوطني العربي على امتداد القرن العشرين . وهذا التقييم نابع من التحليل الموسيقي والفني الموضوعي، الذي لا علاقة له البتة بالموقف السياسي قبولاً أو رفضاً .

فلقد تضافر على كتابة وتلحين وغناء مجموعة الأناشيد والأغنيات الوطنية التي غطت عقدين من عقود القرن العشرين، مجموعة من الشعراء والملحنين والمطربين الذين ينتمون إلى أعظم جيلين من أجيال الموسيقا العربية في القرن العشرين، هما الجيل الأول الذي انطلق من مدرسة سيد درويش العظيمة ومن التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية الهائلة التي أطلقتها ثورة 1919 الشعبية في مصر . من هؤلاء مثلاً بيرم التونسي وأحمد رامي في الشعر الغنائي وزملاؤهما، ومحمد عبدالوهاب ورياض السنباطي وزكريا أحمد وفريد الأطرش ومحمد فوزي ومحمود الشريف وأحمد صدقي في التلحين، ومن هؤلاء في الغناء محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وليلى مراد وفريد الأطرش وكارم محمود .

هؤلاء كانوا من أبناء الجيل الأول، الذي ولد وترعرع حتماً قبل انطلاق ثورة 23 يوليو، لكن عند قيام الثورة كان أبناء هذا الجيل قد وصلوا إلى قمة ابداعهم الفني، إضافة إلى أنهم تأثروا أبلغ الأثر بالتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية الهائلة التي أطلقتها ثورة 23 يوليو في مصر والمنطقة العربية بأسرها، كرد فعل على نكبة العرب في فلسطين في عقد الأربعينات .

هذا عن عظماء الفنانين من أبناء الجيل الأول، اما عباقرة الشعر والموسيقا والغناء من أبناء الجيل الثاني، فيمكن اعتبارهم جميعا أبناء عصر ثورة يوليو، بدليل أن أشهر رموز هذا الجيل، الفنان عبدالحليم حافظ ولد فنياً في الحفلة التي أعلن فيها قيام الجمهورية في مصر بعد الملكية .

طبعاً كان من أبناء هذا الجيل في مصر من الشعراء صلاح جاهين وفؤاد حداد وعبدالرحمن الأبنودي وأحمد شفيق كامل وحسين السيد وسواهم، ومن الملحنين كمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي وسيد مكاوي ومنير مراد، وعبدالعظيم عبدالحق، وعبدالعظيم محمد . ومن المطربين والمطربات عبدالحليم حافظ ومحمد قنديل ومحمد رشدي، ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد ووردة وشادية إضافة إلى أصوات مخضرمة مثل سعاد مكاوي وحورية حسن وشهرزاد وسواهن .

لقد انطلق العباقرة من أبناء الجيل الأول والجيل الثاني، في منافسة لا مثيل لها في تاريخ الغناء العربي، في إبداع أجمل الأشعار وأقوى الألحان في التعبير عن المراحل المتلاحقة للتحولات السريعة والغزيرة التي أطلقها عصر ثورة 23 يوليو في مصر كما في سائر أرجاء الوطن العربي، في كل المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، فانتجوا لنا أروع الألحان التي تتمتع حتى اليوم بقيمة فنية عالية، إضافة إلى قيمتها الوطنية المؤكدة .

حتى تيار نقد الإنجازات الثورية الذي عبر عنه شعر أحمد فؤاد نجم وألحان وغناء الشيخ إمام، ما زال ينتصب في رصيد الغناء الوطني قيمة فنية من قيم ذلك العصر الزاخر بالحيوية الفنية والموسيقية التي كانت موازية للحيوية السياسية والاجتماعية والثقافية . يكفي أن نقارن رصيد الأناشيد والأغنيات الوطنية في عصر ثورة 23 يوليو، بين الأعوام 1952 و،1970 بكل ما أنتج من غناء وطني في بقية فترات القرن العشرين، حتى ندرك القيمة المميزة لهذا الرصيد .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"