حصيلة المفاوضات والاستيطان

05:51 صباحا
قراءة 3 دقائق

إذا حاولنا أن نستكشف الأسباب العميقة للجمود الذي أصاب قضية فلسطين منذ سنوات طويلة، وأدخلها في مسيرة من الانهيار التاريخي الذي بات ينذر في الفترة الأخيرة بتآكل الحقائق التاريخية الأساسية للقضية لحساب المشروع الصهيوني الاستيطاني، فإن أمامنا أكثر من وسيلة على رأسها طبعاً، استعادة المسيرة التاريخية للقضية منذ مطلع القرن العشرين، وتمركز المشروع الصهيوني الاستعماري على أرض فلسطين مع بداية الانتداب البريطاني عليها، في نهاية الحرب العالمية الأولى، سعياً وراء استكشاف الجذور التاريخية للانهيار الحالي الذي بات يهدد بتصفية نهائية لقضية فلسطين .

لكن هذا الأسلوب في التحليل يحتاج إلى مجلدات مطولة، ما يجعلنا نلجأ إلى أساليب أخرى للتحليل قد يكون أقصرها وأكثرها تعبيراً عن الانهيار مع ذلك، عقد مقارنة بسيطة بين حصيلة المفاوضات التي تبدو المشروع الاستراتيجي الوحيد للسلطة الفلسطينية، وحصيلة الاستيطان الاستعماري الذي تمارسه الحركة الصهيونية، كخطة استراتيجية لاستكمال مشروعها الاستيطاني التاريخي .

لقد بدأت فكرة المفاوضات مع ظهور أول تطبيق عملي لاتفاقيات أوسلو في مطلع العقد الأخير من القرن المنصرم، حين اعتقدت قيادة العمل الفلسطيني آنذاك، أنها بالتوقيع على اتفاقيات أوسلو إنما تحقق خطوة تاريخية لحل القضية الفلسطينية، تليها خطوات .

لكن السنوات الأولى التي مرت على الاتفاقيات وبداية تطبيقها، ما لبثت أن كشفت عن عيب أساسي فيها، كان واضحاً منذ البداية على أي حال، وهو أن إسرائيل لم توقع على اتفاقيات أوسلو، إلا بعد أن أجرت منظمة التحرير الفلسطينية تغييرات جذرية في ميثاقها الوطني، تخلت فيه عن الجذر التاريخي لقضية فلسطين، أي الجريمة التي تمت في العام ،1948 بطرد شبه كامل للشعب، واستعمار شبه كامل لأرض الوطن . وما كان ينقص منظمة التحرير في ذلك الوقت، إلا أن تكون منطقية مع نفسها، ومع شعبها ومع التاريخ، فتغير اسمها، بعد تغيير الميثاق، لأن التغيير كان تلخيصاً للتخلي عن هدف تحرير فلسطين، وحوَّل القضية بعد ذلك اليوم من قضية خلاف على وجود، إلى خلاف على حدود، وأصبحت قضية فلسطين تبدأ تاريخياً بحرب ،1967 وليس بجريمة 1948 .

اليوم، وقد مرت أعوام تسعة عشر على تطبيق اتفاقيات أوسلو، يجدر بالجانب الفلسطيني، ومن ورائه ومعه الجانب العربي، عقد جردة حساب جديدة لما جناه الفلسطينيون والعرب من عقد وتطبيق اتفاقيات أوسلو، وما جنته الحركة الصهيونية منها .

اليوم، ونحن نقترب من حلول عقدين على توقيع وتطبيق اتفاقيات أوسلو، نجد أن الأرض الفلسطينية التي قيل لنا يومها إنه تم تحريرها لمجرد أنها صنفت بالمناطق ألف المفترض أنها خاضعة تماماً ونهائياً للسلطة الفلسطينية، قد تآكلت وأصبحت كل الأراضي المحتلة في العام ،1967 خاصة في الضفة الغربية، خاضعة لسلطة الاحتلال الإسرائيلي تماماً، بعد إلغاء سلطة السلطة الفلسطينية عملياً، وتحويلها إلى إشراف بلدي على بعض نواحي الضفة الغربية، لكن السلطة السياسية والأمنية العليا هي فعلياً وعملياً للاحتلال الإسرائيلي .

ولقد استكملت إسرائيل إنجازها هذا خلف ستار كثيف هو ستار المفاوضات العقيمة التي تطول سنة بعد سنة، ولا تحقق للجانب الفلسطيني أي إنجاز، لأنه أصلاً قد دخل متاهة المفاوضات بعد التخلي عن كل أوراق القوة التي كان يمتلكها . أما الجانب الإسرائيلي، فقد بات يحكم سيطرته يوماً بعد يوم على سائر أنحاء الضفة الغربية، ويغير ملامحها تغييراً جغرافياً وسكانياً كاملاً، تحت ستار المفاوضات التي لا طائل لها، ولا جدوى منها .

حتى قطاع غزة الذي انسحبت منه إسرائيل عسكرياً، لتخفيف خسائرها فقط، فإنه مازال يخضع لسيطرة إسرائيل السياسية والأمنية بحكم الحصار الإسرائيلي المفروض عليه تحت بصر وسمع العالم كله، بما فيه العالم العربي .

إنها مقارنة بسيطة وسريعة لحصيلة المفاوضات من جهة، وحصيلة الاستيطان من جهة ثانية، وهي مقارنة فاضحة وفادحة إلى درجة أنها تدفع إلى التساؤل: أما آن الأوان فلسطينياً وعربياً، لمراجعة حساب الأرباح والخسائر في هذه المسيرة التي بدأت باتفاقيات أوسلو، أم أن السلطة الفلسطينية، ومن خلفها الأنظمة العربية، مازالت تعد نفسها بيوم تتحول فيه المسيرة عجائبياً، فتفاجئنا بحصيلة للمفاوضات فيها كل المغانم للفلسطينيين والعرب، وكل الخسائر لإسرئيل والصهيونية؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"