حياة ما بعد السبات

03:56 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

رغم السواد الحالك المحيط بالمجتمع الإنساني في هذه المرحلة بسبب انتشار فيروس كورونا، لم تفقد البشرية التعلق بالأمل في العودة مجدداً إلى الحياة، والخروج من السبات الذي فرضه فيروس كورونا قسراً على الجميع. ومثلما تؤكد أغلب التحليلات والمواقف، سيكون لهذه التجربة ما بعدها على الصعد كافة، وربما ستعيد البشرية اكتشاف نفسها، وإمكاناتها. كما ستعيد النظر في كل شيء لتنطلق حقبة جديدة من حقب التاريخ.

أوروبا، القارة الأكثر تضرراً من الوباء الذي حصد أرواح أكثر من 90 ألفاً من أبنائها، ستكون على موعد مع تغيرات سياسية، واقتصادية، وفكرية شاملة. والوضع لن يختلف كثيراً في الولايات المتحدة، ثاني أكبر منطقة للتفشي، رغم تصريحات «الاعتداد بالنفس» التي ما فتئ رئيسها، دونالد ترامب، يطلقها في كل مناسبة من دون جدوى. ومع الاعتراف بأن اللحظة الراهنة يصعب وصفها، أو تصنيفها بأي من معايير الوصف المألوفة، إلا أنها لا تخلو من نقاط ضوء تقهر قتامتها الشديدة.

بعد الحربين العالميتين الأولى، والثانية، والكساد العظيم، و«الإنفلونزا الإسبانية»، فقدت البشرية في تلك الجوائح الأربع أكثر من 120 مليون إنسان، وعمّت الدنيا حالة ضياع رهيبة ولدت من رحمها نظريات في شتى المجالات، وفلسفات جريئة حاولت أن تجد تفسيراً لكل ما جرى، ومقاربات لما يمكن أن يكون عليه المستقبل. وفي ضوء النظرة التشاؤمية، التي سادت لفترة، عادت الواقعية لتقود العقل الإنساني في إعادة هندسة متطلبات العصر، والمصالح، وحتى القيم الإنسانية. وبالفعل عادت الحياة من جديد، وتم الخروج من تلك الأنفاق. وككل فعل بشري، ظلت المقاربات منقوصة، ولم تأخذ في الاعتبار أموراً كثيرة، أو هي فطنت إليها بعد فوات الأوان، إلى أن جاءت طامة فيروس كورونا المستجد، وحينها فقط، تم الانتباه إلى الأخطاء، والنواقص، ومن أهمها العناية بالصحة العامة، والحفاظ على المناخ، وتأمين الموارد الضرورية، والكف عن الجشع، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الناس، وكل تلك القيم التي ظلت حبراً على ورق، بدءاً من ديباجة الأمم المتحدة، إلى أصغر مدوّنة في حقوق الإنسان.

ومن بين الحزن، والخوف، والتشاؤم، بدأت الحياة تطل مجدداً، كأن الناس مواليد جدد يكتشفون ما حولهم، ويستعدون للتدرب على الخطو، والمشي، ثم الجري كما كانوا. وفي أوروبا الموبوءة، بدأت دول مثل ألمانيا، وسويسرا، وإسبانيا، تضع جداول زمنية لاستئناف دورة الحياة، وقد سبقتها إلى ذلك النمسا، والدنمارك، وفنلندا، والسويد، بينما تتململ فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، استعداداً لليقظة، والانطلاق. ورغم أن التجربة لن تكون سهلة في بادئ الأمر، ولكن إرادة الشعوب في الحياة ستفرض عليها التأقلم، وإن طال زمن فيروس كورونا، أما الأمر الأهم في كل ما يجري فهو الاعتبار الجيد مما حصل في هذه التجربة المُرة، وبعدها يمكن أن يكون للحياة طعم خاص، وللمستقبل وجه مختلف عما كان متصوراً قبل جائحة كورونا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"