خطاب الكراهية وموجة العولمة الثالثة

03:01 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

حادثة اعتداء الإرهابي الأسترالي (برينتون تارانت) على مصلّين آمنين في مسجدين في نيوزيلندا، وقتله خمسين شخصاً، رجالاً ونساءً وأطفالاً، أعادت السجال من جديد حول خطاب الكراهية إلى الواجهة، كما فتحت النقاش حول سبل التعاطي مع هذا الخطاب، وليس فقط مع احتمالات تحوّله من خطاب إلى ممارسة، كما أبرزت السجالات حول الحادثة ردود فعل متباينة، رسمية، وغير رسمية، بعضها عقلاني، وبعضها الآخر لا يبتعد كثيراً عن خطاب الكراهية نفسه.
ما زال مصطلح «خطاب الكراهية»، مع كل السعي نحو تحديده، فضفاضاً وغير متّفق عليه، ومع أنه، من وجهة نظر حقوقية، ينطلق من فكرة التحريض على أذى الآخر، على خلفية التمييز ضد جماعات، تكون في الغالب أقلية ضمن وسطها، لكنه في الوقت ذاته، ونظراً للقضايا الإشكالية التي ينطلق منها هذا الخطاب، فإن تحديده يصطدم بعائق مبدأ الحرية في إبداء الرأي، كما أنه من غير الواضح تماماً للحكومات آليات تحديد اللحظة التي يتحوّل فيها هذا الرأي إلى مصدر للعنف، إلا ضمن حيّز الإعلان المباشر عن الربط بين الموقف والتصريح باستخدام العنف، كما أن بعض الحكومات يمكن أن تستخدم القوانين المناهضة لهذا الخطاب في أطر لا تتناسب مع الغاية التي وضع من أجلها.
في الفقرة الثانية من المادة رقم عشرين، ينصّ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه بموجب القانون «تُحظر أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف»، وقد سنّت دول كثيرة قوانين خاصّة بمكافحة هذا الخطاب، ومعاقبة مرتكبيه بعقوبات جنائية قاسية، كما في دول الاتحاد الأوروبي، لكنها تركت (في دول الاتحاد نفسها) مسألة تقييم الجرم للنائب العام، لتمييز هذا الخطاب عن حقّ الرأي، الذي تكفله القوانين، وتعدّ ألمانيا من أكثر الدول تشدّداً في مواد القانون الذي يجرّم خطاب الكراهية، والصادر في 30 يونيو/‏ حزيران 2017، حيث أضافت إلى عقوبة السجن غرامة مالية تصل إلى 50 مليون يورو في بعض الحالات، خصوصاً فيما يتعلق بنشر مواد تحضّ على الكراهية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
منذ عمليات 11 سبتمبر/‏ أيلول، التي نفّذتها عناصر من تنظيم «القاعدة»، وخطاب الكراهية في خط بياني متصاعد. وإذا كان الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو قد وصف أحداث سبتمبر بأنها أول حدث عالمي، بمعنى أن البشرية قاطبة شهدت الحدث في الوقت ذاته، عبر شاشات التلفزة، فإن موجة العولمة الثالثة التي أسست فعلياً، عبر ثورتي التقانة والاتصالات، لمثل تلك المتابعة المتزامنة لأحداث سبتمبر، تقف أيضاً، وبشكلٍ واسع، خلف الانتشار الكارثي لخطاب الكراهية، ليس فقط عبر الوسائل التقنيّة التي أتاحتها، بل عبر الخلل العالمي الذي أحدثته مصالح الشركات العولمية، ودورها في تأجيج الصراعات.
ثمة تناقضات هائلة تعيشها المجتمعات والدول اليوم، ومن بينها، وربما في مقدّمتها الدول الديمقراطية، حيث لا يخفى على المتابع للشأن الدولي صعود قوى وأحزاب وخطاب اليمين المتطرّف، بل ووصوله إلى سدّة الحكم في غير بلد أوروبي، وهو خطاب يقوم بالأساس على كراهية اللاجئين بشكلٍ عام، والقادمين من الشرق الأوسط بشكلٍ خاص.
وفي عالمنا العربي، استغلّ الإرهابيون مثل «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» الموجة الثالثة للعولمة بشكل فعّال ومدمّر، وقد استخدموا خلال السنوات الأخيرة منصّات التواصل الاجتماعي (المواقع الخاصّة، فيسبوك، تويتر، وغيرها)، لتحقيق عددٍ من الغايات، من بينها حشد المناصرين، وتجنيد الشباب، وبثّ خطاب الكراهية في مجتمعاتهم، ليس فقط ضد الآخر المختلف دينياً، بل والذين يشتركون معهم في الدين والمذهب، طالما أنهم يختلفون معهم في الرأي والموقف الديني والسياسي، وأظهرت حادثة نيوزيلندا الأخيرة مدى فعّاليتهم على مواقع التواصل، فقد اعتبروا أنّ تضامن الحكومة النيوزيلندية مع أهالي الضحايا نفاقاً سياسياً، وطالبوا بالردّ.
خطاب الكراهية تجلى أيضاً في خطابات رؤساء ومسؤولين حكوميين كبار في بعض دول العالم، حيث يشنّون حملات تحريض متواصلة ضد بلدان وشعوب أخرى، فيها تحفيز على خلخلة الأوضاع الأمنية، وهو أمر لم يستدعِ حتى الآن نقاشاً عمومياً في مجلس الأمن، ما يجعل من بثّ خطاب الكراهية ظاهرة عولمية بامتياز، بالإضافة إلى أن هذا الخطاب أصبح جزءاً من حالة الاستقطاب على منصّات التواصل الاجتماعي، وجزءاً من حالة الاختراق الوطني.
لقد أتاحت موجة العولمة الثالثة فرصاً غير مسبوقة في التاريخ لتحويل خطاب الكراهية إلى ظاهرة عالمية، وجعله واحدة من سمات العولمة نفسها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"