دروس من «ايوا»

02:19 صباحا
قراءة 4 دقائق
عاصم عبد الخالق

من دون مفاجآت حقيقية انتهت الجولة الأولى للانتخابات التمهيدية في سباق الرئاسة الأمريكية التي جرت في ولاية «ايوا» الأسبوع الماضي. غياب المفاجآت في تلك المحطة المبكرة في السباق إلى البيت الأبيض، لا ينفي وجود دروس قيمة تتجاوز في أهميتها نتائج الانتخابات نفسها.
في المعسكر الجمهوري، حل تيد كروز أولًا، تلاه دونالد ترامب ثم ماركو روبيو. وقد يكون وصول الأخير للمركز الثالث بفارق محدود للغاية عن الثاني، هو المفاجأة الوحيدة والصغيرة التي أسفرت عنها الانتخابات. أما خسارة ترامب أمام كروز فكانت متوقعة في «ايوا» بالذات، رغم صدارته لاستطلاعات الرأي على المستوى العام ككل.
وقد أشرنا إلى هذه النتيجة المتوقعة في مقال على هذه الصفحة يوم 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي بعنوان «ترامب الزاحف نحو الخاتمة». وكان ذلك في سياق التحذير من الاستسلام لنتائج الاستطلاعات واعتبارها صك فوز مضموناً في أيدي ترامب. ويبقى ما قيل قبل جولة «ايوا» صحيحاً بعدها. ذلك أن ديناميات الانتخابات التمهيدية تقضي بأن نتائج الاقتراع في ولاية تؤثر في اتجاهات الناخبين في الولايات التالية. وبناء عليه فقد تكون نتائج «ايوا» بداية لتراجع ترامب.
لن نسبق الأحداث، ولكن نشير فقط إلى أن فقاعة شعبية ترامب قد انفجرت في «ايوا». وحتى لو نجح كما هو متوقع في نيو هامبشاير، وهي المحطة التالية، فلن يضمن الصدارة فيما يليها.
الحقيقة التي تتكشف هنا أهم بكثير من فوز كروز، أو تراجع ترامب، أو صعود روبيو. وهي تتجاوز تلك التفاصيل لتكمن في العمق، أي البيت الجمهوري نفسه، الذي يعاني أزمة حادة يجسدها تصدر تلك الشخصيات للمشهد الانتخابي. لم يستطع الحزب إيجاد وتصعيد مرشح يري فيه تمثيلاً واقعياً وصادقاً لتوجهاته وأفكاره، وتعبيراً عن القيم التي تؤمن بها قاعدته الشعبية الواسعة.
الفرسان الثلاثة الذين يتصدرون السباق هم في الواقع من خارج الكوادر التقليدية للجمهوريين. ولا يعبرون بالتالي عن روح الحزب، والتيار السائد فيه على مستوى القاعدة والقمة. ترامب ملياردير يثير بعنصريته المتفجرة المشكلات أينما حل، وبمجرد أن يتكلم. وسيكون فوزه بترشيح الحزب هدية مجانية للديمقراطيين الذين يعرفون كيفية استثمار هفواته وعيوبه لتخويف الناخبين منه. وضع الحزب ليس أفضل مع كروز الذي يرتمي في أحضان التيار الديني الإجيلي المتشدد. ومرشح من هذا النوع يصعب أن يكون مقنعاً للناخب العادي. أما روبيو المتمرد القادم من أدغال اليمين المتطرف فيما يعرف بحزب الشاي، فهو مأزق في صورة مرشح لا يحسد عليه الحزب.
المشكلة أن ناخبي «ايوا» قد رسخوا هذا الوضع الغريب حيث حصد كروز وترامب وبين كاريسون معاً 61% من الأصوات. معنى هذا أن الأغلبية تدعم الوافدين من خارج الصفوف التقليدية للمؤسسة الجمهورية المحافظة. يقابل هذا الصعود انهيار كامل للتيار المحافظ التقليدي ويمثله الثلاثي الخاسر جيب بوش، وجون كاسش وكريس كريستي، الذين لم يحصلوا مجتمعين إلا على 6,5% فقط من الأصوات.
حقيقة مهمة أخرى تكشفها القراءة المتأنية للنتائج، وهي أن المال رغم دوره المهم والتقليدي في ترجيح كفة المرشحين، إلا أنه لم يكن العامل الوحيد الحاسم، بدليل أن بوش ومعسكره «اليمين إلى صعود» انفقوا 89.1 مليون دولار منها 14.9 مليون في «ايوا» وحدها. وقد حصل بوش على 5238 صوتاً أي أن تكلفة الصوت كانت 2674 دولاراً.
خطورة الثقة المطلقة في استطلاعات الرأي درس آخر مهم يمكن الخروج به. وعلى سبيل المثال فإن استطلاعاً أجرته مؤسسة «بلومبرغ» في ديسمبر الماضي أظهر أن روبيو لا يحظى سوي بتأييد 10% من الجمهوريين، في حين أنه حصد 23.1 % من أصواتهم.
على الجانب الديمقراطي يبرز درس الاستطلاعات أيضاً. فقبل عام كان الفارق بين هيلاري كلينتون ومنافسها الاشتراكي العجوز بيرني ساندرز (74 عاماً) يبلغ 61 نقطة كاملة. ووفقاً لاستطلاع شبكة «إن بي سي» حصلت هيلاري على 68% مقابل 7% فقط له. الدرس المهم هنا، بجانب خطأ الثقة المطلقة بالاستطلاعات، هو ذلك الإنجاز المبهر الذي يمكن أن تحققه العزيمة القوية والإرادة الفولاذية والثقة بالنفس، وهو ما أثبت ساندرز أنه قادر على صنعه بمثابرته وإصراره على مواصلة المعركة رغم الفارق الهائل مع منافسته. وبالفعل أنهى أول جولة بفارق نقطة مئوية واحدة بعدها.
أزمة الديمقراطيين، ولو أنها أقل حدة من منافسيهم الجمهوريين، إلا أنها تبقى قائمة، لأن ثقتهم تبدو منقوصة بقدرة أي من المرشحين الاثنين على النجاح في الانتخابات النهائية أمام مرشح جمهوري. ساندرز خبير وسياسي محنك إلا أنه وبسبب ميوله الاشتراكية المعلنة وسنه المتقدمة سيكون ضعيفاً أمام هجمات مرشح جمهوري أصغر سنا وأقرب للمزاج الشعبي الأمريكي المحافظ بطبيعته.
وهيلاري أيضاً، رغم خبرتها الطويلة، وجاذبيتها السياسية معرضة لضربة قاضية قد تطيحها بسبب فضيحة الرسائل التي أرسلتها من بريدها الإلكتروني الشخصي عندما كانت وزيرة للخارجية. وينوي الجمهوريون بالطبع استثمار هذه الثغرة جيداً إذا فازت بترشيح الديمقراطيين. وقد يتطور الأمر إلى فتح تحقيق جنائي في القضية بعد ترشيحها وقبل الانتخابات النهائية. في هذه الحالة ستكون كارثة قد حلت بالديمقراطيين، فلن يكون أمامهم فرصة لاختيار مرشح آخر. يفسر هذا المأزق تعليقاً مختصراً نشرته ال«واشنطن بوست» في صورة سؤال وجواب. السؤال هو: متى لا يكون النصر نصراً؟ الإجابة.. عندما يكون الفائز هيلاري كلينتون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"