رأسمالية القرن الواحد والعشرين

03:21 صباحا
قراءة 4 دقائق
د . لويس حبيقة
تتغير الرأسمالية حكماً مع تطور الحياة مستفيدة من التجارب الجيدة والمرة . لا يمكن لأي نظام سياسي أن يبقى كما هو لأن الإنسان يتغير والحاجات تختلف والأهداف تتعدل . هنالك مفاجآت حصلت وتحصل ليس فقط في الجانب الاقتصادي بسبب النتائج غير المدهشة التي حققتها العولمة خاصة على صعيد سوء توزع الدخل والثروة، وإنما أيضاً في الجوانب السياسية والاجتماعية والمبادئ العامة . تبقى الولايات المتحدة الدولة الرأسمالية الأساسية وإن يكن نفوذها قد خف في العقود الماضية . تتمتع بمزايا أساسية لا منافس لها قوي حتى اليوم، وهي التفوق العسكرية والاقتصاد الأكبر والتكنولوجيا المتطورة والنفس الابتكاري الفريد في المجتمع، خاصة في قطاع الأعمال .
خف النفوذ الأمريكي بسبب تحسن أوضاع الدول الناشئة ولم تعد بحاجة الى واشنطن لتنمية اقتصادها . هنالك مصارف وطنية وإقليمية تنموية اليوم تنافس البنك الدولي في إمكاناته . أسست دول "البريكس" السنة الماضية مصرفا للتنمية وأعطته قدرات مالية إقراضية تفوق ال50 مليار دولار . المصرف البرازيلي للتنمية له قدرات مالية تفوق 85 مليار دولار والصيني ينعم بقدرة تفوق 240 مليار دولار، علماً بأن البنك الدولي مول مشاريع ودولاً بنحو 6 .52 مليار دولار فقط في سنة 2013 . إذا أضفنا المصارف الاقليمية من الإفريقي والأمريكي اللاتيني والأوروبي والآسيوي وغيرها، نرى أن هنالك مؤسسات تنموية قوية وتقوى تنافس المؤسسات المركزية من بنك وصندوق نقد دوليين . في قطاع آخر، أصبح مطار دبي الأول عالمياً من ناحية عدد الركاب في الرحلات الدولية الذي وصل الى 4 .70 مليون متفوقاً على المطارات الغربية .
أولاً: في السياسة هنالك حقيقتان كبيرتان جديدتان أولا عودة الدول الاستعمارية القديمة إلى الساحة وإن يكن بأشكال وأهداف جديدة .
نذكر هنا الأدوار الجديدة القديمة للصين وروسيا وتركيا وإيران . تلعب الصين دوراً دولياً كبيراً سيزداد وهجاً مع الوقت . الصين الاقتصاد الثاني في العالم سيصبح أولاً خلال سنوات قليلة مع السياسات الجديدة المعززة للاستهلاك والمحاربة للفساد والتلوث كما المخففة لدور القطاع العام في السوق . روسيا تحدت قديماً في زمن القياصرة وضمن الاتحاد السوفييتي في القرن الماضي وبشكلها الحالي اليوم عبر تصرفاتها في قضية أوكرانيا . روسيا تتحدى الغرب الذي يفرض عليها عقوبات موجعة ذات أهداف ربما تفوق القضية الأوكرانية من دون أن تصل إلى درجة الحرب الباردة التي استمرت عقوداً طوالاً .
الإمبراطورية العثمانية حكمت المنطقة لقرون وها هي تركيا تحاول اليوم توسيع نفوذها عبر المنظمات الدينية، كما عبر تحالفاتها في المنطقة وخارجها . لا شك في أن تركيا ترغب في لعب دور سياسي يفوق حجمها الاقتصادي ويقربها قدر الإمكان من الوضع الذي كانت عليه قبل الحرب العالمية الأولى .
أما النفوذ الفارسي، فالرغبة في عودته عبر النووي وغيره واضحة . وما المفاوضات مع المجموعة الدولية بشأن النووي الا لتعزز الرغبة في لعب دور سياسي إقليمي أكبر مما هو عليه اليوم .
ثانياً: في الاقتصاد الرأسمالي، هنالك جهد عالمي كبير يسعى إلى تخفيف مساوئ النظام وإعادة هيكلة بعض جوانبه . يجب تغيير السياسات التي تقيد العرض كما الطلب . يحتاج العالم اليوم إلى زيادة الإنتاج، لكن هذا لن يحصل إذا لم يتحرك الطلب أيضا منعاً لتحقيق فائض مضر بالمنتجين ويعيدنا إلى الوراء . يشير الواقع الأوروبي إلى ضرورة بل حتمية التغيير مع الانتخابات اليونانية وما بعدها . لا يمكن تجاهل الوضع اليوناني حتى لو لم تكن دولة كبيرة . الوجع الشعبي يفرض على الأوروبيين معالجة مصادره حتى تستمر الوحدة النقدية ويبقى اليورو منافساً حقيقياً للدولار . نجح اليورو في أول عقد من عمره إلا أن الدولار يعود اليوم سباقاً إلى الساحة . نذكر أن حجم الاقتصاد الأمريكي من العالمي يبلغ اليوم 22% بعد ان سقط في السنوات السابقة إلى ما دون العشرين . أما نسبة التجارة الدولية المقيمة بالدولار فتصل إلى 81% بعد أن تدنت نقاط عدة في العقود الماضية . كل هذا بفضل النمو الأمريكي الذي أعاد الناتج المحلي إلى أعلى مما كان عليه في سنة ،2008 وذلك على عكس الأوروبي الذي لم يعد إلى المستوى السابق . سياسات التقشف فشلت في أوروبا وسياسات الإنفاق نجحت في أمريكا وها هي النتائج تظهر جلياً اليوم .
ثالثاً: على صعيد قطاع الأعمال، هنالك واقع يشير إلى ارتفاع عمليات الدمج والشراء أي إلى تقييد المنافسة دولياً، وهذا مضر من ناحية الأسعار وحقوق المستهلك . الشركات تتغير في حجمها وهيكليتها وطرق عملها أي تتحصن أكثر، لكن ربما على حساب الشركات المتوسطة والصغيرة، خاصة على حساب المستهلك . هنالك سيولة كبيرة في الأسواق النقدية نتيجة سياسات الضخ النقدي التي اعتمدتها أمريكا منذ سنوات وبدأت تعتمدها أوروبا حديثاً . سبب هذا التحفيز النقدي انخفاضاً في الفوائد وتضخماً في مستوى البورصات التي يخشى أن تفقع مجدداً تماماً، كما حصل في سنة 2008 . يظهر أن السلطات الاقتصادية لم تتعلم بعد بشكل كافٍ من تجارب الماضي المرة . رفع الفوائد اليوم ولو قليلاً ربما يشكل المانع لتدهور البورصات مجدداً .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"