رسائل ترامب المحمولة على «توماهوك»

02:45 صباحا
قراءة 3 دقائق
بعد ضربة الكيماوي الأخيرة في خان شيخون، والتي نفذت من الجو، لم ينتظر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما يمكن أن يؤول إليه السجال الدولي حول تحديد الجهة المستخدمة للكيماوي، خصوصاً في ظل وجود موقف روسي متعنّت أمام توجيه الاتهام إلى النظام السوري، باعتباره الجهة الوحيدة المحلية التي تمتلك طائرات، فأعطى ترامب أوامره بتوجيه ضربة إلى مطار الشعيرات في حمص، وهو المطار الذي انطلقت منه الطائرة التي نفذت الضربة.
في عام 2013، وبعد استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي في الغوطة، في ريف دمشق، حيث وقع نتيجة ذلك الهجوم ما يقارب 1500 ضحية من السكان المدنيين، قامت روسيا بطرح مبادرة لسحب السلاح الكيماوي من سوريا، لتجنيب النظام السوري ضربة أمريكية، كان يمكن لها أن تكون في حينها بالغة القسوة والتأثير في النظام السوري ومستقبله، خصوصاً أن الواقع السوري لم يكن بهذا التعقيد الذي وصل إليه، وقد وافقت إدارة أوباما على المبادرة الروسية، خصوصاً أنها تنسجم مع رغبة أوباما وإدارته في عدم الانخراط المباشر في الصراع السوري، بالإضافة إلى أن تركيز أوباما كان منصبّاً على الوصول إلى الاتفاق النووي مع طهران، والذي كان الوصول إليه بمثابة إنجاز تاريخي من وجهة نظره، واستراتيجيته تجاه الشرق الأوسط.
ومحاولة العودة والمقارنة بين قبول أوباما بالمبادرة الروسية لسحب الكيماوي وميل ترامب إلى القيام بعمل منفرد تجاه مطار عسكري، هي عودة ضرورية، لفهم مستويات التغيّر في السياسة الأمريكية، حيث يمكن لهذه المقارنة أن تمدّنا بفهم أولى الرسائل التي أراد ترامب توجيهها، وهي الرسالة الموجهة إلى دوائر صنع القرار في أمريكا نفسها، والتي توجد فيها رؤى متباينة من ترامب نفسه، منذ أن كان مرشحاً للرئاسة، حيث أراد ترامب القول لتلك المؤسسات إن عليها أن تكون مستعدة للتغييرات التي يعتزم اتخاذها، وإن التردد الذي طبع به سلفه أوباما السياسة الأمريكية قد انتهى.

ومن المعروف أن عهد أوباما حفل بتناقضات كثيرة بين البيت الأبيض والبنتاغون في ما يخص الشأن السوري، وقد وضع البنتاغون سيناريوهات عدة أمام أوباما، لكنه فعلياً لم يأخذ بأي منها، بينما طلب ترامب مع بداية وصوله من البنتاغون أن يكون مستعداً لعمل عسكري ما في سوريا، ولم ينقض وقت كثير قبل أن يقدم ترامب على اتخاذ قرار، بالرد على استخدام الكيماوي، وهي إشارة قوية منه إلى عودة الاهتمام بالحلول العسكرية، وفرض السياسات الأمريكية، خصوصاً أن إدارة أوباما كانت متهمة بالتفريط بهيبة أمريكا في الساحة الدولية، نتيجة ميلها إلى عدم التدخل العسكري.

الرسالة الثانية، كانت رسالة مزدوجة، وهي متعلقة بروسيا، فقد وجهت العديد من الاتهامات الأمريكية للرئيس ترامب، والمقربين منه، ببناء علاقات مع روسيا، على حساب المصالح الأمريكية، وقد أتت الضربة الأمريكية لترد، بشكل عملي، على تلك الاتهامات، ولتقول بأن المصالح الأمريكية في نظر ترامب وإدارته أهم بكثير من أي علاقة شخصية مع الرئيس بوتين، أو أي مصالح خاصة، كما وجّه ترامب رسالة إلى روسيا نفسها، مضمونها أن التفرد الروسي بالملف السوري يجب أن يصبح من الماضي، خصوصاً أن الروس كانوا قد خطوا بعض الخطوات في ترتيبات الوضع السوري من خلال مفاوضات «أستانة»، في محاولة لوضع اليد بشكل كامل على الحل السوري.
وفي ما يخص طهران، فقد أراد ترامب أن يوضح بأن موقفه ضد الاتفاق النووي هو موقف قوي، وأن الخلل الناجم عن استدارة أوباما عن الشرق الأوسط والتحالفات التقليدية مع دول الخليج يجب تصحيحه، وعلى إيران أن تدرك أن الولايات المتحدة ما زالت قادرة على أن تلعب الدور الرئيس في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن استمرار طهران في اعتبار أن تحالفها مع موسكو كفيل بتوسّع نفوذها هو اعتبار استراتيجي خاطئ، وعليها بالتالي أن تعيد حساباتها، ليس فقط في سوريا، بل في مجمل سياستها في الشرق الأوسط.
أما عن الرسالة إلى الأتراك، فمفادها بأن التقارب بين أنقرة وموسكو يمكن أن يمنح تركيا بعض المكاسب المؤقتة، لكنه مضرّ على المدى الطويل، وبأن أنقرة لا يمكن أن تدير ظهرها للولايات المتحدة، وبالتالي فإن أنقرة مطالبة باتخاذ مسافة أبعد عن السياسات الروسية، والمسألة لا تتعلق هنا فقط بسوريا، بل أيضاً بموقف تركيا من أوروبا.
كل هذه الرسائل الكبيرة، حمّلها ترامب على صواريخ «توماهوك»،التي لا تزيد تكلفتها على 60 مليون دولار أمريكي، وهي تكلفة تبدو زهيدة قياساً بأهمية الرسائل المراد توصيلها لمختلف الأطراف، لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه على ترامب وإدارته هو: ماذا بعد؟ فكما هو معروف في السياسة أن وصول مضمون الرسالة شيء وتحقيق ذلك المضمون شيء آخر.

حسام ميرو
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"