سلطان العالم والمؤرخ يرمم المجمع العلمي في مصر

03:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

قلبه على بلاده وعلى أمته، وإن كان سموه في فرنسا في زيارة علاجية، أعاده الله تعالى إلينا سالماً معافى إن شاء الله، إلا أن الأوفياء لا يحجبهم أي طارئ عن التواصل مع الوطن، أو عن مناصرة الأمة .

بالأمس سمعنا صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، يبعث بكلماته الرقيقة المفعمة بدفء الحب، عبر أجهزة الإعلام المختلفة، ليشارك بها أخاه صاحب السمو رئيس الدولة وإخوانه أصحاب السمو حكام الإمارات والشعب عموماً، في فرحتهم باحتفالات الدولة في ذكراها الأربعين .

وفي تلك الكلمة الحانية تحدث سموه بكل معاني الوفاء، عن مؤسس الاتحاد الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله، وبأسلوب مؤثر، وبكلام معبّر، ولا غرابة في ذلك فسموه عروبي وطني مسلم متشرب بالثقافة الصافية .

واليوم نجد سموه مرة أخرى يبعث برسالة مؤثرة أخرى إلى قلب الأمة العربية مصر، ليبدي أسفه على احتراق المجمع العلمي الذي كان يضم بين جنبيه مجموعات تراثية هي من أعظم ما خلفه التراث الإنساني .

هذا المجمع تأسس في 2081798 بقرار من نابليون بونابرت، ليكون نسخة شرقية من المجمع العلمي الفرنسي، وتضم مكتبته قرابة 200 ألف عنوان مجلد من أندر الكتب والمخطوطات .

هذه المكتبة وتلك المخطوطات، طالها الحريق على أيدي من لا يعرف قيمة الكتاب النادر، ولا يقدر جهود من أنشأ مثل هذا المجمع الفريد، فاحترقت على مرأى ومسمع القنوات الفضائية، واحترقت معها قلوب من ذاقوا حلاوة الثقافة .

نعم . . لا يعرف قدر العلم إلا العالم، وصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عالم مؤرخ ومن العلماء النادرين اليوم، قبل أن يكون حاكماً محباً لوطنه، مخلصاً لأبناء وطنه، وفياً لأمته .

إنه اليوم يتعهد بإعادة ترميم مبنى المجمع العلمي، وبإهدائه مكتبته الخاصة التي تشتمل على نوادر مثل تلك النوادر التي احترقت، ليعيد بذلك الوجه الحضاري الباسم إلى ذلك الصرح التاريخي الشهير .

لكنني أتساءل: إلى متى تظل أمتنا العربية هكذا لا مُبالية؟

فئة تخرب وفئة تصلح، أو رجل يهدم وآخر يبني، ونحن نعلم أن الشاعر العربي يقول:

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه

إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

ثم إنني أقول للمخربين والمفسدين في كل مكان وفي كل زمان:

إذا كنتم تشكون الفقر، فهل العلاج أن تهدموا البيوت على رؤوس الأغنياء؟ أو إذا كنتم تعيشون في الجهل، فهل الحل أن تقتلوا العلماء؟ أو إذا كنتم تعانون من وزارة أو وزير، فهل من الحكمة أن تعادوا الدولة وتشعلوا النار في مكتسباتها؟ أو إذا كنتم تشكون من مرض في نفوسكم، فهل من الإنصاف أن تحرموا النفوس السليمة من الاستمتاع بالحياة؟

إنني بصراحة أشك اليوم في وطنية الكثيرين من الخليج إلى المحيط، وأشك في صدقية ما يتحججون به، فمرة أجدهم يدخلون مجلس الأمة ويتلفون ما بداخله ويهينون رموز الدولة، ويرفعون بعد ذلك أصابعهم ملوحين بعلامة النصر .

ومرة يشعلون النار في تاريخ بلدهم ويحرقون النوادر التي لا تقدر اليوم بثمن، ويهتفون بعد ذلك باسم الحرية والديمقراطية والإسلام .

عفواً أيها السادة، لقد ضللتم وضيعتم طريق الوطنية والديمقراطية والإسلام والحق والصواب، فالمحب لبلده لا يحرق بلده، والوفي لأمته لا يتلف ممتلكاتها، والأمين مع ربه لا يمشي بالخيانة لمصلحة أي جهة خارجية، وطالب الحق لا يطلبه بالباطل، والصائب من استفاد من خطأ غيره لا من ارتكب خطأ جديداً .

أقول لكل من ينشد الجمال والكمال: بلادنا جميلة يجب ألا نشوهها بالعبث في شوارعها وفي ممتلكاتها، وأوطاننا عزيزة يجب ألا نذلها بإهانة رموزها وثوابتها، والمشي في مناكبها مع الخائنين فيها .

في كل يوم نسمع ونرى أن أيدي العابثين امتدت إلى مدن وإلى متاحف ومكتبات وإلى مجمعات، فعاثت فيها فساداً .

وفي المقابل نجد أيدي أخرى كالأيادي البيضاء لشيوخنا الحكام حفظهم الله تعالى، تمتد إلى تلك البلاد المنكوبة أو المحروقة، لتعيد إليها البناء، وتمسح بيد الحنان على وجه تلك البلاد أو تلك المجمعات المعتدى عليها .

نعم . . أيدٍ تهدم وأيدٍ تبني، ولكن ينبغي أن يعرف أولئك أن الهدم عمل غير مقبول، وإن وجد من يعيد إليه البناء، وأن الفساد عمل غير مشروع، وإن وجد من يقوم بالإصلاح .

ثم إننا لو حافظنا على البناء القائم، لوضعنا هذا المبلغ الضخم الذي أنفقناه على الترميم، في إنشاء بناء آخر جديد .

فالبراعة أن يكون لي في كل يوم جديد أضيفه إلى الحضارة الإنسانية، لا أن أعيد ترميم القديم الذي هدمته عمداً بمعول الفساد والتخريب، لأبقى دائماً في مكاني كأصحاب التيه .

على كل فالشكر لصاحب اليد البيضاء الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي محب العلم ومحيي التراث، والشكر لكل من سعى إلى البناء والإصلاح .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"