صحوة العقل العالمي

01:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

ما أعلن مؤخراً حول مشروع القانون البولندي الذي يجرم تحميل بولندا المسؤولية عن المشاركة في ما يطلق عليها «المحرقة» التي استخدمها «الإسرائيليون» شماعة لابتزاز العالم على مدى عشرات السنين التي تلت الحرب العالمية الثانية، يحمل في الواقع دلالات كثيرة، لعل أولاها أن بعض من صدقوا هذه اللعبة اليهودية المقصودة، ضاقوا ذرعاً باستمرار الخداع «الإسرائيلي» للعالم. فما يسميه «الإسرائيليون» بالمحرقة التي أثبت التاريخ أنها مجرد استغلال سياسي لما جرى في الحرب العالمية الثانية، والتي دفع العالم خلالها ملايين الضحايا، والتي تفوق بكثير وبأضعاف أعداد القتلى من اليهود خلال هذه الحرب المدمرة، فضلاً عن المؤشرات الكثيرة التي تؤكد ذلك، وتكشفت مع الزمن.
حيث رأت الحركة الصهيونية في اليهود الألمان مجالاً رحباً لنشاطاتها، فنقلت مركز عملها بعد موت هرتزل من فيينا إلى كولن فبرلين. كما لا يفوتنا التذكير بأن نشوء أول حركة يهودية في ألمانيا تدعو إلى الاستيطان كان في ألمانيا عام 1864. لكن «الحركة الصهيونية» بقيت بعيدة عن جماهير اليهود الألمان، ولم تخرج من أزمتها إلا في العهد النازي.
وكان أركان النازية في مقدمة المهتمين بإنجاح مشروع الاستيطان اليهودي في فلسطين. فقد كتب منظر النازية الأكبر ألفريد روزنبرج عام 1927 في كتابه «محاكمة اليهود في العصور المتغيرة»، أنه «يجب تقديم العون الفعال للصهيونية حتى يمكن نقل أكبر عدد ممكن من اليهود الألمان إلى فلسطين سنوياً».
وحسب الكثير من المصادر التاريخية، فإنه منذ وصول الحزب النازي بقيادة هتلر إلى السلطة في ألمانيا (يناير/ كانون الثاني 1933) بدأ تطبيق سياسة مضايقة اليهود المعارضين من الذين يعتبرون ألمانيا وطنهم.
وقد رأت «الصهيونية» في صعود الحزب النازي فرصتها التي لا تعوض لإجبار اليهود على الرحيل الى فلسطين وتحقيق فكرتها القائلة إن اليهود يجب ألا يكونوا جزءاً من مجتمع غير يهودي. ولذلك، ومنذ البداية أجرت الحركة اتصالات كثيرة بقادة الحركة النازية على يد بعض زعمائها.
كما أن ما عرفت باتفاقية «همجراه» بين الرايخ الثالث والحركة اعتبرت سلاحاً قوياً، لأنها سمحت بهجرة اليهود الألمان وحدهم إلى فلسطين وتعويضهم. كما كان منظمو الهجرة اليهود ينالون، بالتعاون مع النازيين، حصتهم من الفوائد المادية على حساب الأفراد من اليهود.
وفي كتابه بعنوان «الوجه الآخر» الصادر في عام 1984 يقول الرئيس محمود عباس إن المحرقة النازية، أو ما يعرف «بالهولوكست»، تمت المبالغة فيها، واصفاً اليهود الذين قتلوا في الحرب بأنهم ضحايا مؤامرة الحركة والنازية.
زد على ذلك، أن ظهور مصطلح اللاسامية بالرغم من عدم دقته، جاء مع ظهور الصهيونية كحركة سياسية عالمية منظمة، أي تزامن تقريباً مع ظهور الحركات العنصرية، وهما وجهان لعملة واحدة، ولذلك يزعم «الإسرائيليون» أن اللاسامية أبدية، وأن سببها هو الحقد البشري على اليهود بسبب تفوقهم وذكائهم، ويقول الكاتب اليهودي فنكلشتاين مؤلف كتاب «صناعة الهولوكوست»: «لقد استغِلتْ مذهبية الهولوكوست الجامدة القائلة بكراهية الأغيار الأبدية لليهود، لتبرير ضرورة وجود دولة يهودية، ولتفسير العداء الموجه «لإسرائيل»».
ولذلك، لا غرابة في موقف «إسرائيل» المتشنج تجاه مشروع القانون البولندي، حيث عقب رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو، على هذا المشروع بقوله: «هذا القانون باطل وأرفضه بشدة، لا يمكن تغيير التاريخ، ولا يجوز إنكار المحرقة».
وأضاف أنه أوعز للسفيرة «الإسرائيلية» لدى بولندا بأن «تلتقي برئيس الوزراء البولندي كي تعرض أمامه موقفي الحازم ضد هذا القانون».
والنتيجة التي يمكن الوصول إليها في هذه القضية، هي أن تكاثر الأصوات الأوروبية وغيرها التي باتت تشكك في أسطورة «المحرقة» إنما تكشف في الواقع حقيقة جد مهمة، وهي أن العالم بدأ يصحو من غفلته، بعدما تم تمرير الكثير من الأكاذيب باعتبارها حقائق تاريخية، في ظل إمعان «الإسرائيليين» في جرائمهم المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في محرقة حقيقية متواصلة منذ أكثر من ستين عاماً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"