طريق الحرير المتعثرة (2 - 2)

02:04 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.لويس حبيقة
في آخر الستينات، شكلت بريطانيا فقط 2,8% من صادرات الألبسة القطنية بعد سيطرتها الكاملة على السوق لحوالي 150 سنة سابقة. عدد العمال البريطانيين في القطاع انحدر من أكثر من 600 ألف عامل إلى أقل من 30 ألفاً. انهارت أوضاع المدن التي اعتمدت بشكل أساسي على القطن وأصبح الصناعيون يطالبون بالحماية للاستمرار. اليوم حوالي 14% من القطن ينتج فقط في الولايات المتحدة مقارنة ب 29% في الصين و21% في الهند. لولا الدعم الحكومي المباشر لغابت صناعة القطن كليا في الولايات المتحدة. طريق القطن الحالية تربط المنتج بالمستهلك كما في السابق، لكن عبر مسافات طويلة فرضت استثمارات في البنية التحتية.
في 14 و15 مايو/‏ أيار الماضي، استضافت الصين قمة عالمية لهدف خلق وتمويل طريق الحرير الجديدة المرتكزة على بنية تحتية متطورة واسعة تشمل معظم الكرة الأرضية. من المتوقع أن تكون باكستان المستفيدة الأولى من هذه الاستثمارات مما يساعد على تثبيت الاستقرار داخلها لمصلحة العالم أجمع. يقدر النمو السنوي الباكستاني ب 4% في دولة تحتوي على 200 مليون شخص، لكنها فقيرة حيث يبلغ الناتج المحلي الفردي 1500 دولار فقط. 30% من السكان فقراء ونسبة البطالة 6% علما أن الصادرات الأساسية هي النسيج مع 13 مليار دولار سنويا. ستستثمر الصين 55 مليار دولار في باكستان أي في إنتاج الكهرباء والطرق وسكك الحديد وغيرها. تقدر الصادرات الصينية إلى باكستان ب 16,5 مليار دولار وسترتفع مع هذه الاستثمارات. ما يدعو للعجب أن الولايات المتحدة تقاوم هذه الاستثمارات لأنها لا تريد أن تلعب الصين الدور العالمي الذي ترغب به، لكن دون أن تقدم البدائل للدول النامية.
تنفيذ طريق الحرير الجديدة يحتاج إذاً إلى التكنولوجيا والاستثمارات الصينية. هنالك مشروع واحد أنجز وهو طريق أنقرة - إسطنبول بتكلفة 4 مليارات دولار، 5 مشاريع في طور الإنجاز، 12 مصممة للتنفيذ و5 بوشر العمل فيها وتوقف لأسباب متعددة.
أولا: مشروع بودابست - بلغراد أي 350 كلم بتكلفة 3 مليارات دولار توقف تنفيذه بسبب خرقه للمواصفات الأوروبية في السلامة والبناء. مشروع المدينة - مكة، حيث ساهمت الشركات الصينية في بناء القسم الأول منه إذ من المتوقع أن يكلف 12 مليار دولار أي تكلفة باهظة.
ثانيا: طريق موسكو - قازان أي 770 كلم بتكلفة 21 مليار دولار عبر قطارات حديثة تسير بسرعة 400 كلم في الساعة وترغب الصين في التمويل. وهنالك طريق جاكرتا - باندونج بطول 142 كلم وتكلفة 5,5 مليار دولار ووافقت الصين على إقراض المشروع 4,5 مليار دولار لكن التنفيذ أجل.
ثالثا: مشروع الصين - لاوس أي 417 كلم بتكلفة 6 مليارات دولار عبر قطارات تسير بسرعة 200 كلم في الساعة. يحتاج إلى بناء 75 نفقاً و167 جسراً علما أن التنفيذ بدأ السنة الماضية.
رابعا: هنالك مشاريع صممت لكن التنفيذ لم يبدأ أو توقف بسبب التكلفة العالية والأوضاع الأمنية والاجتماعية كمشاريع طرق وقطارات داخل فنزويلا بطول 468 كلم وتكلفة 7,5 مليار دولار. ومشاريع في ليبيا بدأت وتوقفت بسبب الأوضاع الجيوسياسية. كذلك في المكسيك بسبب الهدر والشك في نزاهة وشفافية الأرقام. وهنالك مشاريع متعثرة في ميانمار والولايات المتحدة بسبب التكلفة وعدم التعاون السياسي والإداري.
باختصار طريق الحرير الجديدة متعثرة بسبب ضخامة المشاريع وتكلفتها المرتفعة وعدم قدرة الصين في بعض الأحيان على التمويل.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"