في دلالات اتفاق «المدن الأربع»

01:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
نُفذ منذ أيام اتفاق «المدن الأربع»، وتمّ اقتلاع أهالي أربع مدن سورية من أرضهم، وحياتهم، وتاريخهم، في عملية تبادل سكاني، رعتها دول إقليمية وبعض الفصائل المسلحة، ولم يكترث الرعاة والأطراف الموقعة على التهجير بالنداءات التي صدرت عن معظم قوى المعارضة السورية التي رفضت فيها هذا الاتفاق جملة وتفصيلاً، باعتباره سابقة خطرة في مجريات الوضع السوري.
بموجب الاتفاق تمّ نقل أهالي «الفوعة»، و«كفريا» من ريف محافظة إدلب إلى حلب، بينما نقل أهالي مضايا والزبداني إلى إدلب.
يحمل الاتفاق دلالة طائفية لا تخفي نفسها، حيث جرى تبادل مواطنين على أساس مذهبي، وجرى استثمارهم في عملية التبادل، ويكشف هذا الاستثمار المدى الكارثي الذي وصلت إليه الحال السورية، والذي يعكس آلية تفكير قوى الصراع كافة، وغياب أي حد أدنى للوطنية السورية، وهو مؤشر خطر على مستقبل العملية السياسية، بحيث بات مقبولاً من الناحيتين، النظرية والعملية، الحديث عن حلول ذات مرجعيات طائفية، وهو ما كانت معظم الأطراف تحاول تجنبه في مراحل سابقة.

إن قبول الأطراف الإقليمية برعاية مثل هذا الاتفاق هو مؤشر إلى قفزها على آليات الحل السياسي، بل وعدم اقتناعها به، وميلها إلى التعاطي بشكلٍ مباشر مع قوى الأمر الواقع، وهو ما يكشف عن إسهام متواصل من قبل القوى الراعية للاتفاق في تكريس قوى الأمر الواقع، بل والاعتراف بها، ومساعدتها على ترسيخ نفسها كقوى مستقبلية، وهو ما يتناقض حتى مع القرار الأممي الذي يصنف «جبهة النصرة» المنضوية في «هيئة تحرير الشام» كتنظيم إرهابي.
وعلى الرغم من العلاقات التي تجمع بعض القوى الإقليمية بعدد من قوى المعارضة السياسية، فإنها لم تعلم تلك القوى بالاتفاق، وبدا أن «الائتلاف الوطني»، و«الهيئة العليا للتفاوض»، كانا آخر من يعلم بالاتفاق، وهو ما يسهم في زعزعة مكانتهما السياسية، التي باتت أصلاً في موقع محرج، بعد الفشل الذريع لمجريات التفاوض في جنيف.

وفي المغزى الميداني الاستراتيجي للاتفاق، فإن تهجير أهل مضايا والزبداني الحدوديتين مع لبنان، يجعل من هيمنة إيران وحزب الله على هذا الخط الحدودي الاستراتيجي شبه مطلقة، ويؤمن لحزب الله تواصلاً آمناً مع دمشق، كما أن إرسال أهالي هاتين المدينتين إلى إدلب يصب في خانة تكريس المحاصصة مع القوى الإسلامية المسلحة في إدلب والشمال السوري، واعتبارها مسؤولة عن طيف «سني» واسع، وهو ما مهّدت له حملات ترحيل لمدنيين سابقة، حيث أرسل أهالي بلدات «قدسيا» و«داريا»، و«الوعر»، إلى إدلب، فيما عرف ب«المصالحات».

بالطبع أن اتفاقاً كهذا لا يمكن أن يحدث من دون موافقة روسيا، ومن دون التنسيق معها، أقله من قبل إيران، وهو ما يؤكد من جديد عدم جدية موسكو في رعاية تسوية وطنية شاملة، وتمرير الوقت لكسب المزيد من النقاط في تفتيت المعارضة السياسية، وجعل أي تسوية مقبلة تقوم بشكلٍ أساسي على قوى الحرب، وهو ما يخدم مصالح روسيا بعيدة المدى في سوريا، وعموم حوض المتوسط، فتكلفة التسوية مع قوى الحرب أقل بكثير من تكلفة التسوية مع قوى وطنية، ذات رؤية أكثر استقلالية، فيما يخص القواعد الروسية، والاتفاقات التي تثبت وجود روسيا لسنوات، أو عقود مقبلة.

لقد كان النظام السياسي السوري هو الغائب عن الاتفاق، بخلاف «المصالحات» التي عقدها النظام مع فصائل مسلحة كانت موجودة على أطراف العاصمة، وهو ما يكشف عن الوضع البائس الذي وصل إليه، وسهولة القفز عليه في إبرام صفقات مفيدة لحلفائه، وهو الأمر الذي باتت تؤكده العديد من الحوادث، حيث أصبح الاتصال مباشراً بين بعض الجهات الأمنية والعسكرية السورية، وبين القيادة الروسية في قاعدة حميميم، من دون المرور بالقيادة السياسية.

إن ميل الدول الفاعلة في الملف السوري إلى بناء ترتيبات تقوم على إدارة الصراع بين القوى المحلية، يبرز قناعة هذه الدول حول انعدام آفاق حل سياسي في المدى المنظور، بل وقناعتها، ربما، بأن غياب هذا الحل يخدم مصالحها الراهنة، والمستقبلية، وأن التكيّف مع الفوضى والاضطراب ممكن، وطالما بالإمكان اللجوء إلى الحلول الجزئية لتبادل المكاسب، فما الحاجة، إذاً، إلى حل شامل؟


حسام ميرو
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"