في رثاء باراك أوباما

04:57 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعزيز المقالح

لم يمت بعد الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته موتاً جسدياً، ولكنه - رحمه الله- مات معنوياً وإنسانياً. وإذا كان أغلب رؤساء الولايات المتحدة حين يودعون البيت الأبيض لا ترافقهم سوى الخيبة، فإن الندم سيكون الرفيق الأكثر مرارة لهذا الرئيس الذي لم يتمكن من الاستفادة - كما ينبغي - من الفرص التي أتاحتها له الظروف، ومن الأغلبية الساحقة التي حملته إلى البيت الأبيض وأحاطته بشعبية غير مسبوقة في تاريخ هذه الدولة العظمى.
ويمكن القول إنه الرئيس الأمريكي الوحيد الذي لم تنتخبه جماهير أمته الأمريكية فقط بل أسهمت في انتخابه جماهير كثيرة من أنحاء العالم رأت فيه بداية جديدة لعصر جديد وانتقاماً سلمياً من العنصرية البيضاء التي لم تكن ترحب بالرجل الأسود في مطاعمها ونواديها فضلاً عن أن تتقبله رئيساً يتجاوز كل القواعد التراتبية تلك التي تواضع عليها ساسة الولايات المتحدة منذ نشأتها.
لقد كان نجاح أوباما في الانتخابات ودخوله إلى البيت الأبيض باعثاً لأمل كامن في نفوس عشرات الملايين في بلاده وخارج بلاده، وكان هؤلاء جميعاً يرون في وصوله إلى حكم أكبر دولة في العالم - وهو الملوَّن - معجزة معاصرة كان عليه أن يرعاها ويستمد منها قوته في استصدار قراراته الإيجابية والحاسمة والمنصفة لما يقرب من ثمانين بالمئة من أبناء الشعب الأمريكي الخاضعين لحفنة من المتنفذين سياسياً واقتصادياً، وذلك ما جعل أوباما يظهر في الأسابيع الأولى وربما في الشهور الأولى أيضاً كمبعوث إلهي، ثم بدأت مواقفه تتراجع بمرور الأعوام وتلاشت الهالة الجميلة التي صنعتها أحلام الناس وأشواقهم ووصل الحال في السنوات الأخيرة إلى نسيانه وعدم الاعتراف بوجوده وهو ما يزال يتربع على الكرسي الذي جلس عليه جورج واشنطن وإبراهام لنكولن، وروزفلت، وبقدر ما كانت الأحلام عظيمة كانت الخيبات أعظم، وتساوى في الحكم عليه من كانوا أنصاره ومن كانوا معارضيه.
ولهذا فلن يحزن على خروج أوباما من البيت الأبيض أحد بما في ذلك تلك الأغلبية السوداء التي وقفت في صفه ورأت في نجاحه المدهش تحقيقاً لبعض ما كانت تحلم به من عدل ومساواة، لقد أضاع وقته في استرضاء القوى المتنفذة تاريخياً على أمل أن يستمر بقاؤه في البيت الأبيض لفترة ثانية وتحقق له ذلك، لكن ماذا صنع في ولايته الثانية ؟ فقد أبدى من الخضوع والاستسلام أكثر مما كان يبديه في ولايته الأولى، وأدخل الولايات المتحدة في دوامة جديدة من المؤامرات على الشعوب التي كانت قد رأت فيه فارس التغيير وتخليص الدولة العظمى من الشراكة في العبث بمستقبل البشرية عن طريق إشعال الحروب وتشجيع الأقليات على التمرد بدلاً من دفعها إلى المشاركة في البناء وحماية الاستقلال والسيادة وهما الشعار الوطني الجامع لكل الفئات مهما تباعدت بينها الانتماءات العرقية أو المذهبية.
إن خروج باراك أوباما من البيت الأبيض منكسراً حزيناً نادماً ليس إلاَّ التعبير الصامت والضمني لانكسار الدولة العظمى التي باتت تعاني من أعراض سبق أن عانى منها الاتحاد السوفييتي قبل سقوطه المدوي، ومشكلة هذه الدولة - كما يراها المتابعون من أبنائها- تتجسد في تمددها وتوسع أدوارها في عالم يتغير، وعالم تبحث فيه شعوب كثيرة عن مكان آمن ومستقر، ولكنه خيّب أمل الجميع وتراجع عن كل ما كان قد طرحه في خطاباته الأولى سواء على المستوى الأمريكي أو العالمي. وستتذكر البشرية أنه عندما دخل البيت الأبيض كان العالم يتنفس الصعداء بعد رحيل سلفه التافه جورج بوش.
والملاحظ أن أوباما سيترك البيت الأبيض وأجزاء من العالم تحترق بحروب صغيرة تدمّر شعوباً بأكملها، فضلاً عن إرهاصات بحرب عالمية ثالثة لن تُبقي - إذا ما قامت - لهذه المعمورة من أثر وستظل تطارده لعنة ما يحدث وما سوف يحدث بوصفه المسؤول عن التطورات الأخيرة التي أدت إلى مثل هذه الأجواء المنذرة بالويل والثبور.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"