قضية فلسطين في إجازة

04:11 صباحا
قراءة دقيقتين

المتأمل لخريطة الوطن العربي من خليجه إلى محيطه، لا بد أن تسترعي انتباهه في هذه الأيام بالذات حالة من السبات السياسي تسيطر على أرض فلسطين التاريخية، وكأن التاريخ العربي فيها لم يعد يتحرك . فالحركة الوحيدة مصدرها النشاط المهووس الذي تواصله الحركة الصهيونية بمثابرة ودأب يوميين لاستكمال تهويد ما تبقى من أرض فلسطين العربية .

وحالة السبات هذه ليست جديدة، لكنها تعود إلى مراحل عدة متلاحقة ومتكاملة انطلقت منذ سبعينات القرن المنصرم:

دولتان عربيتان حدوديتان لفلسطين، مصر والأردن، دخلتا على التوالي في اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني، دون ضمان حل نهائي للقضية الفلسطينية بقية الدول العربية، انطلقت بعد احتجاج لفظي على اتفاقية كامب ديفيد (لم يصدر أي احتجاج على اتفاقية وادي عربة) في نوع آخر من حالات التخلي عن قضية فلسطين ونفض الأيدي منها،تحت شعار أطلقه الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين، مفاده: نقبل للفلسطينيين ما يقبلونه لأنفسهم .

أما الفلسطينيون فقد دخلوا منذ ذلك الحين في إطار انتفاضتين مقاومتين، أجهضت الأولى باتفاقية أوسلو، التي تمخضت بعد سنوات فولّدت وضعاً يقبع فيه كل الفلسطينيين تحت حكم إسرائيل، وإن كانوا مقسمين بين أرض احتلت في العام 1948 وأخرى احتلت في العام 1967 . أما الانتفاضة الثانية، فقد أدت إلى صعود سلطة لمنظمة حماس فاستأثرت بالوضع في قطاع غزة، بعد أن تركت لحركة فتح الاستئثار بالوضع في الضفة الغربية .

لكن مرور الأيام يقول لنا إن كلتا الحركتين، قد تحولتا إلى مجرد التنظيم البلدي للفلسطينيين، أما السلطة العليا فبقيت بيد الاحتلال الإسرائيلي، وإن اختلفت أشكال الاحتلال بين الضفة والقطاع .

بعد ذلك، بل استكمالاً لذلك الوضع الشاذ، دخل القطاع في مرحلة تهدئة مع الاحتلال، ليس لها أي حدود زمنية، ودخلت الضفة في مفاوضات عقيمة لا تفعل سوى منح مزيد من الحرية لحركة التهويد الصهيونية، وهي الأخرى لا يبدو لها أي حدود زمنية .

هل توقفت إذاً حركة التاريخ العربي على أرض فلسطين؟

إن المدقق جيداً في أوضاع الوطن السليب، لو وضع أذنه على القلب النابض في تلك المنطقة العربية المنكوبة منذ العام ،1948 سيستشعر نبضاً قوياً صادراً عن حركة الحياة اليومية لعرب فلسطين، سواء منهم القابعين تحت احتلال ،48 أو تحت احتلال 67 . فالحياة اليومية لعرب فلسطين، تسير بنبض قوي هو الدليل العملي على تمسك هؤلاء العرب المتروكين، بعروبتهم في كل مجالات حياتهم اليومية المعيشية والثقافية . يمارسون أعيادهم الإسلامية والمسيحية كما كان أجدادهم يفعلون تماماً منذ آلاف السنين، وسط ضغط يومي شرس للاحتلال الصهيوني، بوتيرة مذهلة، فكلما زاد ضغط الاحتلال الصهيوني، وحركة التهويد، زاد تمسك عرب فلسطين بعروبتهم وعروبة أرض وطنهم .

إنها مفارقة غريبة بين الحالتين على أرض فلسطين: الحالة الشعبية، والحالة الرسمية . ولا يبدو أي أمل في الأفق سوى أن تجتاح حيوية النبض اليومي لشعب فلسطين، حالة السبات التي تسيطر على الحركة السياسية الرسمية .

وحتى يتم ذلك ويتحقق، ستظل قضية فلسطين في حالة من الإجازة السياسية القسرية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"