كل هذا الدم

05:44 صباحا
قراءة دقيقتين

لا ينفك ينقضي يوم من دون أن تطالعنا الأنباء بسقوط عشرات القتلى والجرحى في الأراضي السورية . تختلف التفسيرات والمسببات والاتهامات والمنفذون، لكن تبقى هناك حقيقة واحدة لا مفر منها، وهي الموت . الموت يأخذ حصته يومياً من الشعب السوري في أزمة تبدو مفتوحة إلى ما لا نهاية، ومتنقلة بين الأروقة الدولية والمؤتمرات الإقليمية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بل على العكس تزيد من حجم السفك اليومي للدماء . فمع كل استحقاق مرتقب لا بد من حدث أمني يدفع فيه العشرات ثمن رسائل سياسية يريد هذا الطرف أو ذاك إيصالها . النماذج كثيرة، واتهامات التنفيذ أيضاً، من تفجيرات الميدان إلى مجزرة الحولة وصولاً إلى ما وقع في التريمسة قبل أيام قليلة .

لم تعد المأساة السورية وليدة حركة احتجاجية ومطلبية فقط، بل دخلت في سياق معادلة دولية أوسع بمراحل كثيرة، وباتت محددة لشكل النظام العالمي الجديد، كما نقلت وكالة الأنباء السورية عن أحد المسؤولين الروس . معادلة أرقامها أفراد الشعب السوري الذين يتساقطون يومياً بهذا السلاح أو ذاك .

كل هذا الدم المسفوك لا يلقي له أحد من أطراف المعادلة الخارجية بالاً، مادام أنه دم بعيد . لكن ماذا عن القريب، ماذا عن أبناء هذا الشعب، بنظامه ومعارضته؟ الأمر ليس مختلفاً كثيراً، فالكل يرغب في استثمار هذا الدم لمصلحته، هذا للتدليل على إرهاب المعارضين، وذاك لتأكيد إجرام النظام . لا حلول في الأفق، أو على الأقل لا أحد يرغب في خروج حلول إلى حيز التنفيذ . لا كبيرة مرفوعة لكل ما قد يُسقط مصالح الطرفين، فالنظام مرتاح إلى الغطاء الروسي والعجز الدولي، وها هو ماض في حسمه العسكري الذي يؤكد كثيرون مقربون منه أنه لن يزيد الأمور إلا تعقيداً، ولن يؤدي إلى أي انتصار . حتى ما حُكي عنه أنه إصلاح، اتضح لاحقاً مدى زيفه . ولعل ما أعلن عنه في المرحلة الأخيرة أنها وزارة مصالحة وطنية خير دليل على ذلك، فرغم النوايا الطيبة للوزير علي حيدر، فلا يبدو أن لوزارته أي أمل في النجاح، وهي تفتقد المبنى والموظفين المخولين العمل على هذه المصالحة .

وفي المقلب الآخر، الوضع ليس أقل سوءاً، ولعل ما شهده مؤتمر المعارضة في القاهرة يعطي الصورة عن الوضع الذي ينتظر الشعب السوري، أو مدى اهتمام من يقولون إنهم ممثلوه بمعاناته، إذ كل ما هو مطلوب هو خروج المعارضة بموقف موحد يلبي تضحيات كل الذين قتلوا في الداخل السوري . لكن هيهات أن تلتقي المصالح والحسابات في مثل هذا الظرف الذي يجد فيه كل طرف معارض ظلاً خارجياً يحتمي بمواقفه . النظام والمعارضة طرفان من غير الممكن أن يلتقيا، ولكل منهما وجهة نظره، لكن في هذه الأثناء هناك العشرات يمضون يومياً إلى وجهة لا نظر فيها، هؤلاء ليسوا أرقاماً للحساب، هم حياة تنزف أهلها بلا مقابل .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"