لماذا تهجر الأصوات الناعمة هيلاري؟

03:40 صباحا
قراءة 4 دقائق
عاصم عبدالخالق

قياساً على الحقيقة التي تقول إن الأمريكيين السود صوتوا، بأغلبية كاسحة، لصالح أوباما، ليصبح أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة، يفترض كثيرون أن نفس القاعدة ستعمل تلقائياً مع المرشحة الديمقراطية لخلافته، هيلاري كلينتون، ومن ثمّ تحظى بدعم الأغلبية الساحقة من الأمريكيات، لتكون أول سيدة تقفز لمنصب الرئاسة.
السوابق التاريخية تقول إن سعي المرأة نحو هذا المنصب الرفيع مغامرة، نتيجتها معروفة سلفاً. ظل البيت الأبيض منذ 227 عاماً، وحتى الآن منطقة محرمة على النساء كرئيسات. طيلة هذه المدة لم يكن منصب الرئيس وحده حكراً على الرجال بل منصب نائبه كذلك. تعاقب على شغل المنصبين 90 شخصاً، ليس بينهم سيدة واحدة. كلهم من الرجال البيض، باستثناء مواطن أسود واحد. كانت آخر محاولة فاشلة للدفع بامرأة لمنصب نائب الرئيس، هي التي قام بها المرشح الجمهوري السناتور جون ماكين، عندما رشح حاكمة ألاسكا السابقة، سارة بالين، على بطاقته في انتخابات 2012 التي خسراها معاً أمام أوباما.
هذه المرة تأمل هيلاري أن تكتب تاريخاً جديداً لبلادها تحفر فيه اسمها. وما دام أوباما حصل على 95% من أصوات السود في انتخابات 2008 و93% من أصواتهم في 2012، فلماذا لا تفوز هي الأخرى بأغلبية أصوات النساء في الانتخابات المقبلة.
غير أن الرياح لا تأتي، حتى الآن على الأقل، كما تشتهي تلك المرأة القوية العنيدة. لم تعزز نتائج الجولتين التمهيديتين من الانتخابات في «آيوا» و«نيوهامبشاير» آمالها. في «آيوا» التي فازت فيها بهامش محدود، أمام منافسها الديمقراطي بيرني ساندرز، لم تحصل سوى على 53% من أصوات السيدات. وجاءت النسبة العظمى من الأصوات الناعمة التي ذهبت إليها من المتزوجات والعجائز. أمّا غير المتزوجات فقد تراجعت النسبة إلى 43%. في المقابل استحوذ ساندرز على أصوات الشباب الذين تقل أعمارهم عن 29 عاماً، حيث حصد 84% منها مقابل 16% لهيلاري. وتشمل هذه النسبة السيدات من نفس الفئة العمرية.
المفارقة أن ساندرز الذي تؤكد النتائج شعبيته الكبيرة بين الشباب يبلغ من العمر 74 عاماً. أحد التفسيرات لذلك يشير إلى أن برنامجه الانتخابي الذي يحوي اقتراحين يؤيدهما الديمقراطيون، رجالاً ونساء، لاسيما من الطبقة الوسطى، الأول بخصوص تطوير برنامج الرعاية الصحية، والآخر برفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولاراً للساعة.
ازداد الوضع سوءاً في الجولة الثانية في «نيوهامبشاير» والتي خسرتها هيلاري بفارق 20 نقطة كاملة أمام ساندرز الذي حصد 55% من أصوات النساء. ولم يكن تفوق هذا المرشح الاشتراكي الديمقراطي في الاستحواذ على أصوات النساء مفاجئاً، فقد أظهر مسح أجرته شبكة «سي. إن. إن» التلفزيونية أنه يتفوق عموماً على هيلاري بنحو ثماني نقاط بين الناخبات، في تلك الولاية وبنسبة 6 إلى واحد في «آيوا».
وفي استطلاع آخر أجرته جامعة ماساشوستس، اتضح تفوقه على هيلاري بنسبة 77% إلى 23% بين النساء تحت 29 عاماً. وباستثناء العجائز اللاتي تبلغ أعمارهن 50 عاماً، فأكثر، تفوق عليها بين سائر الفئات العمرية الأخرى من النساء. وبلغت النسبة بينهما 83% إلى 17% لصالحه بين السيدات التي تتراوح أعمارهن بين 30 و39 عاماً. وتفوق بنسبة 63% مقابل 35% بين النساء من الفئة العمرية من 40 - 49 عاماً.
قد يجادل منظمو حملة هيلاري بأن ما جرى ليس إلّا البداية، وأن أصوات ولايتين فقط لا تعكس بالضرورة توجهات الناخبين عموماً، وأن السباق مازال طويلاً، ويضم 48 ولاية أخرى. كل هذا صحيح، لكن الاستطلاعات على المستوى الأمريكي لا تدعم كثيراً آمالهم في الحصول على أصوات النساء. أحدث هذه الاستطلاعات، أشار إلى أن نسبة تأييدها بين الناخبات لا تزيد على 48% وأن هذه النسبة تتراجع إلى 44% بين المتعلمات تعليماً جامعياً.
عند اتساع ميدان المعركة ليشمل الجمهوريين تستحوذ هيلاري، وفقاً للاستطلاعات على 52% من أصوات النساء، مقابل 36% للمرشح دونالد ترامب. غير أن هذا السياسي اليميني المتشدد الذي يعتبرونه عدواً للمرأة، مع أعداء كثيرين غيرها، يستحوذ على غالبية أصوات النساء البيض بنسبة 44% منهن، مقابل 42% لهيلاري، التي تظل خاسرة أيضاً في المواجهة مع المرشح تيد كروز، بنسبة 49% إلى 42% من النساء البيض.
وحتى الآن، لا يوجد تفسير واضح لهذه الشعبية المفقودة لهيلاري بين النساء، اللهم إلّا إذا كن غير مقتنعات بانتخاب امرأة للرئاسة.
قراءة هذه الأرقام، سواء نتائج الانتخابات أو الاستطلاعات، تكشف أن الناخب الأمريكي لا يعطي صوته على أساس جنس المرشح. وأنه من الخطأ المراهنة على أن هيلاري، ستفوز بأصوات النساء، لمجرد أنها واحدة من بنات جنسهن.
مرة أخرى التحدي الأكبر لهيلاري، هو أنها امرأة، وأنها تخوض معركة لم تنتصر فيها سيدة قط، عبر التاريخ الأمريكي. وقد أثبت الأمريكيون في حالات محدودة أنهم على استعداد للتنازل عن احتكار البيض والبروتستانت لمنصب الرئاسة. غير أنه لم يثبت بعد أن المزاج العام يقبل بامرأة كسيدة للبيت الأبيض، رغم الترحيب بها في سائر المناصب السياسية، بما فيها الكونغرس، الذي اجتازت هيلاري نفسها تجربتين ناجحتين لعضويته.
هيلاري أول اختبار جاد لهذا القيد الصارم، الذي فرضه الأمريكيون على أنفسهم. وإذا سقطت مرشحة بقوتها وخبرتها وشهرتها فسوف تمضي سنوات طويلة، قبل أن تجرؤ مغامرة أخرى على الاقتراب من هذه المنطقة السياسية المحظورة، والمخصصة للرجال فقط.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"