ماكين والبورصة الانتخابية

أفق آخر
03:45 صباحا
قراءة دقيقتين

في خطاب انتخابي مرصع بالمفردات الفوسفورية الخاطفة للأبصار قال السيناتور جون ماكين المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية، إنه يريد إعطاء مقولات جيفرسون دلالاتها الحقيقية، وهي احترام آدمية الإنسان حيثما كان، ويبدو أن المناخات المشحونة بتوتر انتخابي تدفع المرشحين من مختلف الأحزاب إلى نبش دفاتر التاريخ بحثاً عن أسلاف، يكفي ذكر اسم أحدهم أمام الناخبين حتى تنصرف الأذهان إلى زمن آخر.

لكن الشعارات الانتخابية التي تستخدم من أجل التنافس في بورصة صناديق الاقتراع سرعان ما تكنسها الريح بعد الفوز ويعود كل واحد إلى قواعده القديمة سالماً لكنه ليس غانماً على الإطلاق، لأن الغنائم ليست من نصيب من يتنكرون لشعاراتهم التي تستخدم كالمطايا ثم تطرد إلى قارعة الطريق.

جون ماكين لعب دوراً لا تنقصه البطولة في التحريض على الحرب ضد العراق. ورأى في الإسلام الخطر الأهم في القرن الحادي والعشرين، ولا يهمنا في هذا السياق استخدام الصيغ الناعمة للتعبير عن نوايا بالغة القسوة والخشونة.

وغالباً ما يراد بعبارات من طراز الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف باطل يضاف إلى حمولة الأباطيل الأكثر رواجاً في أيامنا يتحدث جون ماكين في حوار أجرته معه مجلة النيوزويك في عددها الأخير عن الخيارات غير العسكرية في التعامل مع طهران ويفضل استخدام كلمة نزاع بدلاً من كلمة حرب، لكن هذه المفاضلة بين الكلمات المترادفة أو المتقاطعة أحياناً لا تغير من الأمر شيئاً، فالنزاع هو أيضاً حرب وقد تكون بأدوات أخرى، لكن ماكين لا يستبعد الخيار العسكري في نهاية المطاف لأن الحرص على أمن الدولة العبرية يأتي في مقدمة الأولويات كما يعترف صراحة، وهو هنا يكرر ما قاله وزير الدفاع جيتس عن الخطر النووي الإيراني مقابل التبرئة التي منحها لتل أبيب، لأن سلاحها بل ترسانتها النووية غير خطرة.

يهمنا من كلام جون ماكين العودة الأخلاقية الى أسلافه الرواد في تاريخ أمريكا، وإذا كان قد استخدم جيفرسون فإن رؤساء أمريكيين قد سبقوه في حمى السجال الانتخابي الى استخدام أمرسون وثورو ووايتمان أيضاً، لكن هذه الاستخدامات والتوظيفات التكتيكية لرواد الحياة السياسية في أمريكا لا تنطلي حتى على الإنسان العادي، لأنه يفرق بين كلام ذي رصيد وقابل للصرف وكلام ينتهي إلى فقاعات في الهواء بعد أن تنتهي صلاحيته الموسمية.

ويذكرنا جون ماكين بمواطن أمريكي عادي قال عشية زلزال مانهاتن على شاشة السي.إن.إن إنه تعلم من جيفرسون وأمرسون وسائر السلالة أن التخلي عن قدر من الحرية من أجل قدر من الأمن قد ينتهي إلى فقدان الحرية والأمن معاً.

ويبدو أن العزف على وتر المناقبية التي بشر بها جيل من المفكرين والمصلحين والشعراء في الولايات المتحدة أصبح لعبة جديدة يمارسها المتنافسون إلى أن ينتهي الموسم الانتخابي، وقد حاول الرئيس بوش أن يعثر على بعد أخلاقي لحرب ضد العراق، لكنه تورط بمصير مضاد لمزاعمه.

نعرف أن برغمانوس الذي تنسب اليه البرغماتية أمريكي مائة في المائة، لهذا فإن العزف على وتر الأخلاقيات لا يطرب حتى العازفين أنفسهم، وحبذا لو يقلع المتنافسون على البيت الأبيض عن هذه العادة لأن من مارسوها فقدوا صدقيتهم الشخصية والحزبية إلى الأبد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"