ما الذي تفعله تركيا؟

02:38 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد نور الدين

عملت تركيا على امتداد الحرب الباردة على المشاركة في أحداث المنطقة والعالم؛ عبر انتمائها للمعسكر الغربي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وكانت عضويتها في حلف شمال الأطلسي نقطة تحول في سياساتها الخارجية. وبعدما كانت إلى حد ما حيادية قبل الحرب العالمية الثانية، وحيادية أثناءها كان التوجه، بعدها، إلى حماية تركيا من أطماع الاتحاد السوفييتي في المضائق.
التزمت تركيا بتوجهات الأطلسي، ولم تحد عنه قيد أنملة، فيما كان التوجه العلماني حاسماً في إدارة ظهرها للمشرق الإسلامي والعربي خصوصاً. وبين التوجهين الأطلسي والعلماني كانت تغرّد عالياً في علاقات استراتيجية مع «إسرائيل» التي كانت قد تأسست للتو ونسجت معها تحالفات استهدفت حركات التحرر القومي العربي؛ بل وقفت في مطلع الستينات ضد التصويت لاستقلال الجزائر في الأمم المتحدة.
رغم كل ذلك كانت تركيا خارج التأثير في المشهد العربي الداخلي. كان لسان حالها «ابعد عن الشرّ وغنّ له». ونادراً ما كانت تركيا تقيم اتصالات أو زيارات مع العواصم العربية إلا ما خلا تلك المتحالفة معها في أحلاف مثل حلف بغداد.
كانت سياسة تركيا حينها الندّ للند أو من دولة إلى دولة. وكان المثال الأهم على ذلك هو قضية وجود عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني في سوريا.
وفي نهاية سبتمبر/‏أيلول 1998 كان قائد الجيش التركي كما رئيس الجمهورية سليمان ديميريل يوجهان تهديدات جدية لدمشق بإخراج أوجلان وتسليمه لتركيا. وقد أدركت دمشق خطورة الوضع؛ فأخرجت أوجلان من أراضيها، وأرسلته إلى موسكو إلى أن اختطفته الاستخبارات التركية والأمريكية من كينيا بعد ذلك بثلاثة أشهر.
وتلا ذلك حقبة من العلاقات الجيدة بين أنقرة ودمشق، وشهدت الحدود بين البلدين هدوءاً وأمناً شاملين بموجب اتفاقية أضنة في 20 أكتوبر/‏تشرين الأول 1998.
بعد ذلك باثنتي عشرة سنة تقريباً كانت تركيا طرفاً مباشراً في الاضطرابات الداخلية في العديد من الدول العربية.
اعتبرت أنقرة الأحداث في سوريا «شأناً داخلياً» تركياً وأقامت معسكرات استقبال للاجئين في لواء الإسكندرون من قبل أن تطلق رصاصة واحدة. وفي كل زيارات رجب طيب أردوغان وأحمد داود أوغلو إلى دمشق كان إشراك عناصر من «الإخوان» المسلمين في الحكومة السورية مطلباً تركياً ثابتاً.
ومن بعدها كان السلوك التركي غير خاف على أحد في تسليح المعارضة وتدريبها، وإرسال شاحنات الأسلحة يومياً إلى الأراضي السورية.
ومؤخراً، كانت تركيا تهدّد من استمرار «الاعتداءات» السورية على نقاط المراقبة العسكرية التركية في إدلب؛ حيث تعد إدلب إحدى ثلاث مناطق تحتلها، إضافة إلى مثلث (جرابلس - الباب- إعزاز وعفرين). ويتساءل المرء عما تفعله القوات التركية هناك. وفي العراق أيضاً تنتشر مراكز عسكرية تركية ثابتة على امتداد الشمال العراقي.
ومع أن الجوار الجغرافي لا يبرر هذا التدخل التركي الفاضح في شؤون سوريا والعراق رغماً عن إرادة حكومتي البلدين، فإن المشهد في ليبيا يشكل فضيحة كاملة للدور التركي في المنطقة العربي.
فبمعزل عن شرعية أي فصيل من الفصائل المتقاتلة هناك؛ فإن التدخل العسكري التركي كان واضحاً وسافراً منذ اللحظة الأولى؛ لإطاحة العقيد معمر القذافي. أرسلت تركيا قوات وسفناً وطائرات ومساعدات لطرف دون غيره، وهي البعيدة عن حدودها آلاف الكيلومترات، ولا علاقة لها بها لا أمنياً ولا جغرافياً؛ لذلك كان مثيراً أن تعلن تركيا أنها سترد في حال قررت قوات خليفة حفتر التعرض لأي من طائراتها وسفنها، بدلاً من أن تترك ليبيا لأبنائها الذين هم يقررون ما يفعلون بها.
ما بين سياسات تركيا الخارجية في عهد ما قبل حزب «العدالة والتنمية» وما بعدها هو الفارق بين سياسات الدول وسياسات الأحزاب. وتركيا في عهد حزب «العدالة والتنمية» لم تكن لكل أبنائها؛ بل لفئة حزبية أيديولوجية محددة، أوقعتها في رهانات خاطئة، وأدخلتها في مشكلات مع الجميع وعرّضتها لمخاطر حيثما حاولت أن تتواجد. وما لم تعد تركيا إلى سياسة التعاطي مع الآخرين من منطلق دولة مقابل دولة، فستبقى مصدر عدم استقرار في المنطقة يجب استئصاله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"