ما وراء محنة «سندات كورونا»

03:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

تعاني أوروبا، منذ أن بدأت جائحة فيروس كورونا بتوسيع ضرباتها للاقتصادات الكبرى، من غياب القدرة على ما يسميه قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، مقر الاتحاد، ب«الرد المنسق»؛ إذ تفترض طبقة التكنوقراط في بروكسل أنه ما من سبيل ممكن لتجاوز الأزمة الاقتصادية الناشئة بسبب الجائحة إلا عبر رد منسق بين الدول الأعضاء، وتسعى تلك الطبقة، عبر تقاريرها ومقترحاتها المدعومة بالأرقام، إلى الضغط على قيادات الحكومات الأوروبية من أجل الإسراع إلى إبرام اتفاق تاريخي، من شأنه أن ينتشل بعض أهم اقتصادات أوروبا من أزمتها الراهنة، بغض النظر عن المشكلات السابقة بين الحكومات، والتي قامت على أساس تهرّب حكومات من مثل إيطاليا وإسبانيا، ودول أوروبا الشرقية، خلال العقد المنصرم، من إحداث تغييرات بنيوية في أنظمتها الاقتصادية والمالية، إضافة إلى نظامي الضريبة، والرعاية الاجتماعية.
الاتفاق التاريخي المطروح أمام القادة الأوروبيين يتخذ اسمه من الجائحة الحالية «سندات كورونا»، ويقوم هذا الاتفاق الذي لم ينجز بعد، في جزء كبير منه، على استدانة جماعية للاتحاد الأوروبي من المؤسسات المالية العالمية؛ بحيث تكون كل الدول الأوروبية، مجتمعة، مسؤولة عن رد هذا الدين، وبضمانات جماعية، على أن تستفيد منه الدول والاقتصادات الأكثر تضرراً.
الاجتماع الأخير للقادة الأوروبيين، الذي جرى في 23 إبريل الجاري، عبر دائرة الفيديو، لم يفضِ إلى توافق حول «سندات كورونا» بالصيغة المقترحة، مع أنهم توافقوا على حجم الأموال المطلوبة، والتي قدرت ب 500 مليار يورو كمساعدات، وتريليون يورو لإنشاء صندوق باسم «إعادة الإعمار»، لكن بقي هذا الاتفاق من دون أدوات تنفيذية، فالعقبة الكبرى تكمن في انعدام الثقة ببعض الدول على الوفاء بالتزاماتها اللاحقة.
وما وراء الإخفاق في التوصل إلى اتفاق على «رد منسق»، تبرز من جديد مشكلة التطور غير المتكافئ بين دول الشمال والجنوب الأوروبيين، وتعود هذه المشكلة بشكل أكثر حدة مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ إذ تواجه ألمانيا موقفاً مركباً من الوضع الناشئ، فهي تحتل المرتبة الأولى في أوروبا، من حيث الناتج القومي (أكثر من أربع تريليونات دولار سنوياً)، والمرتبة الرابعة عالمياً، وبالتالي، يترتب عليها، من الناحية العملية، أن تدفع ثمن إخفاق الدول الأخرى، الأقل تطوراً اقتصادياً، فيما لو حدث وإن فشلت تلك الدول في النهوض باقتصاداتها.
أوروبا اليوم أمام موقفين، تمثل الأول منهما كل من ألمانيا وهولندا والنمسا وفنلندا، وتمثل الآخر كل من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وست دول أخرى، والمجموعة الأولى تخشى أن تساعد القروض الجديدة دول المجموعة الثانية في الاستمرار بسياسات عدم التقشف، واستمرار قطاعات متعثرة لأسباب بنيوية، أكثر من كونها تنافسية، واستفادة رأس المال المالي غير المنتج من القروض، عبر إعادة رفع أسهم بعض الشركات التي لا تتطابق قيمة أسهمها مع قيمتها السوقية، وهو ما سيعني تبخر أموال القروض بسرعة كبيرة، من دون جني الفوائد المرجوة منها.
تجادل دول الشمال بأن دافع الضرائب فيها غير مقتنع بتحمل مسؤوليات أوروبية، عبر «سندات كورونا»، غير موثوقة النتائج، كما تجادل دول الجنوب بأن استمرار الاتحاد الأوروبي مرهون بإظهار التزام أكبر بقيم التضامن الأوروبية، التي نشأ الاتحاد من أجلها، وقد دخلت مؤسسات استطلاع الرأي المحلية على خط هذا الجدل، مؤكدة في نتائجها على مدى الاستعصاء الموجود، ليس فقط في مواقف الحكومات؛ بل في مواقف الناخب الأوروبي؛ حيث يجد ناخبو دول الشمال أن حكوماتهم يجب ألاّ تنزلق، تحت الضغوط الراهنة، إلى تقديم التزامات طويلة الأمد، غير محسوبة العواقب، بينما يجد ناخبو دول الجنوب أن دول الشمال مطالبة؛ بل مسؤولة، عن مساعدة اقتصاداتهم، للخروج من محنتها الراهنة.
في الأوقات العادية، فإن معظم الأوروبيين يرون بأن الاتحاد الأوروبي، كمظلة كبرى، وبما أوجده من قوانين، تتعلق بحرية انتقال الأفراد والبضائع والشراكات بين القطاعات الاقتصادية والتكاملية في الإنتاج، هو مكسب كبير للجميع، لكن حين تضرب الكوارث بعمق، تظهر مكامن الخلل في هذا البنيان الكبير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"