متطلبات اتحاد دول مجلس التعاون

02:56 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. علي محمد فخرو

توجد في الوقت الحاضر حراكات ومناقشات كثيرة لمختلف مؤسسات وتجمعات المجتمع المدني في دول مجلس التعاون الخليجي، بشأن ضرورة قيام وحدة بين هذه الدول.
المنطلقات النظرية لهذا التوجه والمشاعر الشعبية الواسعة التي تسانده لا تختلف عن مثيلتها بالنسبة إلى وحدة الأمة العربية، وتوحيد الأقطار العربية في كيان قومي واحد. هناك حقائق التاريخ الواحد المشترك، والثقافة الواحدة، والخروج من ضعف التمزق، وتدخلات الخارج، ومواجهة الأعداء المشتركين، والتخلص من التخلف الحضاري التاريخي من أجل الانخراط الندّي الفاعل في حضارة العصر الذي نعيش. وبالتالي، فوحدة دول الخليج هي قضية وجودية بامتياز، كما هو الحال بالنسبة إلى الوحدة القومية العروبية الأم.
وهو ما سيعني أيضاً، أن وحدة دول مجلس التعاون هي -جزء من - وخطوة واحدة من مسيرة أمة العرب نحو وحدة وطنها العربي الكبير. إذ إن تبني وجهة النظر هذه سيبعده عن الانغلاق على نفسه، كما يريد له البعض، وسيبقيه معنياً وفاعلاً ومتناغماً مع ما يجري في كل الأرض العربية.
من هنا، فإن أي تعثر في الاتحاد العربي المغاربي سيقلقه، وأي ضعف في اقتصاد مصر سيوجعه، وأية محاولات لتمزيق أقطار، من مثل العراق أو سوريا أو اليمن أو ليبيا، سيحاربها كما لو كانت محاولات لتمزيق دوله، وأي تعايش من أي نوع كان مع الوجود الصهيوني في فلسطين العربية هو من الخطوط الحمر، والفضائح الأخلاقية القومية.
وهذا الاتحاد، المستقوي بأمته العربية، والمستظل بجناح وطنه العربي الكبير، سيسعى لأن تكون ثرواته البترولية لا لمواطنيه فقط، وإنما أيضاً للمساهمة في تنمية مجتمعات العرب، من منطلق الأخوة أولاً، ومن منطلق المصير المشترك ثانياً، وثالثاً من منطلق أن القصر الذي تحيط به أكواخ الحاجة والفاقة، هو في خطر مادي وقحط روحي.
من دون تلك الصورة البهية الإنسانية الملتزمة قومياً سيكون الاتحاد المنشود اتحاد يباب فقير في انطلاقات ضميره.
هذا ما يرجوه الكثيرون من مثل هذا الاتحاد على المستوى القومي. لكن هناك ما يرجوه الكثيرون على مستوى المجلس وهو في طريقه لاتحاد دوله.
فأولاً.. لا يحتاج المجلس أن يبدأ من الصفر. فهناك دروس كثيرة يمكن أن يستفيد منها، ويأخذ بها في العديد من الاتحادات، الاتحاد الماليزي، أو الأوروبي، أو السويسري، على سبيل المثال. ثم هناك بعض محاولات الاتحادات الثنائية العربية التي تعثرت والتي يمكن الاستفادة منها لتجنب عوامل إخفاقاتها السابقة.
ولا توجد ضرورة للدخول في نقاشات حول اسم، أو نوع الاتحاد. فسواء أكان كونفيدرالياً، أم فيدرالياً، أم اندماجياً، أم غيره من المسميات، فإن المهم ليس الاسم وإنما المحتوى ومدى الصلابة وتجنب أسباب الانتكاسات.
وعليه، ثانياً.. إن التدرج في التوجه نحو الاتحاد مقبول، بل ومستحب، لكن بشرط أن تكون الخطوات تراكمية، والأولويات واضحة والمظهريات التي لا تسمن ولا تغني من جوع نادرة.
ضمن هذا المنظور التدريجي يستغرب الناس من البطء الشديد في خطوات الوحدة الاقتصادية التي توقفت العديد من القرارات بشأنها. ويتساءل الكثيرون عن السبب في عدم الانتقال إلى توحيد أنظمة التعليم وخدماتها، وأنظمة الصحة وخدماتها، وأنظمة العمل وخدماتها، وأنظمة الإسكان وخدماتها، في دول مجلس التعاون، وذلك من أجل تحقق المواطنة الخليجية العربية المشتركة بالنسبة إلى تلك الحقول، والبدء بالاعتماد على النفس بدلاً مما تمليه إرادات الخارج.
وثالثاً.. فإن السؤال الأكبر يتعلق بموضوع السياسة، وهو موضوع كبير ومحوري. فالاختلافات في السياسات الخارجية التي تؤدي إلى مماحكات وعداوات بين دول المجلس، لا تخفى على أحد. من أمثلة ذلك التعامل مع العدو الصهيوني، والتعامل مع موضوع الساعة، أي التعامل مع الحركات الجهادية التكفيرية العنفية التي أدخلت بلاد العرب جميعها في جحيم الدمار المادي والمعنوي، والتعامل مع القوى الإقليمية الإسلامية، والتعامل مع الصراعات العولمية فيما بين الدول الكبرى، وغيرها الكثير.
وهنا يطرح السؤال: هل يمكن لأي اتحاد، من أي نوع كان، أن يقوم إذا تمسكت أجزاؤه بمبدأ السيادة الوطنية الكاملة، كما تفعل بعض دول المجلس؟
ورابعاً، إن الكثيرين لا يعتقدون بضرورة التمسك بمبدأ الوحدة بين دول المجلس الست. وهم يرون في أية وحدة جزئية انتصاراً لوحدة الدول الست النهائية، بل لوحدة الأمة النهائية. وإذا كانت بعض الدول مترددة، أو لها منطق خاص بها، فإن ذلك يجب ألا يعني تأخير موضوع حياتي ووجودي بالغ الأهمية، للحاضر وللمستقبل، خصوصاً في هذه الأجواء العاصفة التي تدمر أرض العرب.
وخامساً، وأخيراً، فإن أي نوع من الاتحاد لا يأخذ في الاعتبار إشراك مواطني دول المجلس، ومؤسسات مجتمعاتهم المدنية في اتخاذ القرار، وفي وضع التصورات والأهداف المستقبلية، وفي المشاركة في خطوات التنفيذ، ضمن تصورات ديمقراطية سياسية واقتصادية عادلة، فإنه أي الاتحاد، سيكون مشروعاً فوقياً معرضاً للفشل.
فالاتحاد الناجح يجب أن يكون من أجل الناس، وبالناس، في المقام الأول.
يستطيع قادة مجلس التعاون أن يعقدوا المؤتمرات، وينشغلوا باتخاذ القرارات المؤقتة بشأن قضايا مؤقتة، لكنهم سيكتشفون في النهاية أن حل مشكلات الحاضر، والانتقال إلى مستقبل حضاري أفضل، يكمن في هذا المشروع، في هذا المطلب العروبي الوحدوي لملايين المواطنين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"