مدارات العنصرية من «إسرائيل» إلى شرق أوروبا

03:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

تنطلق العلاقات الوطيدة التي تجمع دول وسط وشرق أوروبا ب«إسرائيل»، من المصالح المشتركة والقوية التي باتت تجمع تل أبيب بعواصم هذه المنطقة من جهة، ومن الروابط التاريخية التي كانت تجمع دول شرق أوروبا من روسيا وصولاً إلى الحدود الألمانية غرباً، بالشتات اليهودي الذي كان له الدور الأبرز في تأسيس الحركة الصهيونية وفي إقامة دولة «إسرائيل» من جهة أخرى. وما يلفت النظر بشكل كبير فيما يتعلق بهذه العلاقة التقليدية بين الجانبين، هو الارتفاع المذهل في وتيرة النزعة العنصرية، وفي مستوى منسوب الكراهية للأجانب والغرباء، وبخاصة المهاجرون العرب والأفارقة في كل من «إسرائيل» ودول أوروبا الشرقية كالمجر وبولندا وتشيكيا، بشكل بات يشبه مداراً إهليجياً ينطلق من تل أبيب ويصل إلى براغ وبودابست في خط دائري متموِّج يحارب في مساره كل أشكال التعدد والاختلاف.
وقد شكلت الزيارة الأخيرة التي قام بها فكتور أوربان رئيس الوزراء المجري إلى «إسرائيل» يوم الأربعاء 18 يوليو/تموز الماضي، مناسبة لتسليط الضوء من جديد على الدور المحوري الذي تلعبه عواصم أوروبا الشرقية في دعم مصالح تل أبيب داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي وفي مختلف المحافل الدولية، وذلك في مقابل دعم اللوبي اليهودي الأمريكي لمصالح هذه الدول في واشنطن التي يسعى فيها المحافظون الجدد إلى تغيير مركز الثقل في القارة العجوز من الغرب نحو الشرق، تحقيقاً لأهداف استراتيجية بعيدة المدى، وتحسباً لإمكانية العودة القريبة للمارد الألماني إلى واجهة الأحداث في معترك السياسة الدولية.
وتشير التطورات التي تحدث الآن على مستوى خريطة التحركات اليهودية عبر العالم، إلى أن هناك نوعاً من التعارض الواضح بين العقيدة السياسية اليهودية التقليدية التي كانت تعتمد على تشجيع الاختلاف وحرية حركة الأشخاص عبر العالم وتُحارب المجتمعات القائمة على التماثل المجتمعي وعلى الانغلاق الهوياتي والقومي، وبين التوجهات الجديدة لتل أبيب التي تعمل على تأسيس كيان عنصري خاص باليهود. ومن اللافت في هذا السياق أن تتزامن زيارة أوربان الشعبوي والمعارض الشرس للمهاجرين، مع قيام الكنيست «الإسرائيلي» بإقرار قانون يصف الكيان بأنه دولة قومية لليهود، قانون أعاد إلى الواجهة من جديد ذلك الخلط التقليدي والمتعمَّد لدى النخب اليهودية بين العقيدة الدينية والانتماء القومي، وفسح المجال واسعاً من أجل قيام نظام فصل عنصري كامل الأركان من خلال تحويل التجمعات السكانية في «إسرائيل» إلى بلدات يهودية بالكامل.
وشهدت دول شرق أوروبا في السياق نفسه، ارتفاعاً ملحوظاً في مستوى النزعة القومية المتطرفة، وعاشت موجة من الهستيريا المعادية للأجانب خلال السنوات الأخيرة، حيث رفضت بشدة كل مقترحات الاتحاد الأوروبي من أجل تقاسم أعباء المهاجرين، كما عملت في الفترة نفسها على دعم نفوذ «إسرائيل» داخل الاتحاد الأوروبي، وقامت بتعطيل كل القرارات التي صاغتها مؤسسات الاتحاد في بروكسل من أجل معاقبة تل أبيب على انتهاكاتها المتواصلة لحقوق الشعب الفلسطيني وعلى حصارها الجائر لقطاع غزة، وتكرّر الشيء نفسه عبر أروقة الأمم المتحدة عندما امتنعت بودابست على سبيل المثال عن التصويت على المقترح الأممي الذي كان يسعى إلى إدانة إقدام الولايات المتحدة الأمريكية على الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل».
بالتالي لم يكن مستغرباً لدى المراقبين الدوليين أن تصدر غالبية التعليقات العنصرية ضد الفريق الفرنسي المتعدد الأعراق الذي فاز بكأس العالم 2018 في روسيا، من عواصم دول أوروبا الشرقية، لاسيما من بولندا التي قامت فيها مؤخراً منظمة مدافعة عن حقوق الإنسان بتحريك عدة دعاوى قضائية ضد أشخاص أصدروا تصريحات عنصرية ضد الفريق الفرنسي على خلفية لون بشرة العديد من لاعبيه.
نستطيع أن نستنتج في نهاية هذه المقاربة، أن الدول التي تبحث عن الصفاء العرقي ولا تحترم قيم حقوق الإنسان الكونية لا يمكنها أن تدعي ممارسة الديمقراطية، وذلك ما نلفيه لدى القسم الأكبر من دول شرق أوروبا التي مازالت سجينة لذهنية الإقطاع الموروثة عن مرحلة القرون الوسطى، وعندما تقرر هذه الدول أن تستنسخ التجربة الديمقراطية الغربية داخل مجتمعاتها، فإنها تفعل ذلك بكثير من الانتقائية التي تجعلها تفرغ الفلسفة الديمقراطية من مضامينها الحضارية القائمة على التنوع والتسامح بين البشر.
والشيء نفسه يمكن أن يقال عن الديمقراطية «الإسرائيلية» التي حاول النائب العربي في الكنيست يوسف جبارين إبراز تناقضاتها، عندما قال إن «إسرائيل» تعرِّف نفسها بأنها دولة يهودية وديمقراطية، وهي في واقع الأمر دولة يهودية بالنسبة للعرب وديمقراطية بالنسبة لليهود، ومن ثمة فإن «الديمقراطية» لا وجود لها إلا بالنسبة للمواطنين اليهود، وغني عن البيان أن الممارسة الديمقراطية عندما تُبنى على التمييز العنصري، فإنها تتحوّل إلى واجهة سياسية وإعلامية فارغة موجهة للاستهلاك الخارجي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"