من يحاصر تركيا؟

04:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد نور الدين

ينتشر منذ فترة في الإعلام التركي، المكتوب والمرئي، خطاب يحاول أن يرفع من نبرة الخطاب التحريضي ضد كل من يعارض ويواجه سياسات «حزب العدالة والتنمية» في الداخل التركي؛ ولكن الأهم في الخارج.
الخطاب التحريضي في الداخل كان يتجلى ولا يزال في تصنيف المعارضة، كل المعارضة، في خانة المتعاونة مع الإرهاب، ولا سيما حزب العمال الكردستاني، وهو خطاب فشل في تحقيق أهدافه؛ بدليل أن الحزب الحاكم خسر الانتخابات البلدية في معظم المدن الكبرى، وفي مقدمتها: أنقرة وإسطنبول.
لكن الحملة على الخارج اتسعت كثيراً، وشملت الجميع، باستثناء لدولة أو دولتين.
يركز الإعلام التركي الموالي ل«حزب العدالة والتنمية»، مؤخراً، على بلدين عربيين؛ هما: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبطبيعة الحال لا يوفر سائر الدول الأخرى.
ولقد مرّ الخطاب التركي أساساً في مرحلتين؛ الأولى مع بداية ما سمّي ب«الربيع العربي»؛ حيث تراءى ل«حزب العدالة والتنمية» أن الفرصة قد جاءت، لبدء تطبيق مشروع «العثمانية الجديدة» والسيطرة المباشرة وغير المباشرة على الأنظمة العربية الواحد تلو الآخر.
وقد بدأ هذا المشروع بالساحة الأقرب أي سوريا؛ حيث لجأ بكل ما أوتي من قوة؛ لإسقاط النظام والدولة في سوريا، ومن ثم القوى والدول التي وقفت إلى جانب النظام. ورغم مرور تسع سنوات على ذلك لم ينجح النظام التركي في تحقيق هدفه. ومن ثم انتقل لتكون له قاعدة نفوذ في العراق؛ عبر إقامة قواعد عسكرية لا تزال قائمة حتى الآن؛ وأبرزها قاعدة بعشيقة. ويوفر الانقسام العراقي الأفقي والعمودي فرصة لاستمرار القواعد والمراكز العسكرية التركية هناك.
المرحلة الثانية من الخطاب التركي التحريضي، كان مع إطاحة نظام الرئيس السابق محمد مرسي؛ حيث شنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حملة عنيفة على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي واصفاً ما جرى في مصر بالانقلاب؛ لكن هذا الخطاب اتسع ليشمل الدول والقوى التي وقفت إلى جانب السيسي؛ مثل: السعودية والإمارات. وشنّ الإعلام التركي حملة عالية النبرة ضد هذين البلدين. ولم تتوقف الكتابات عن «غدر» العرب بالدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، وما لفت، وفقاً للإعلام التركي، أن الخلاف الحالي بين تركيا وبعض الدول العربية، هو تكرار لسيناريو الحرب العالمية الأولى، وأن بعض العرب، يريد محاصرة تركيا وتفكيكها كما حصل قبل مئة عام.
عندما بدأت سياسة «صفر مشكلات» رحّب كل العرب بهذه السياسة؛ علّ تركيا تخرج ولو جزئياً من نفق العلاقات الوثيقة مع «إسرائيل»، وتتحوّل من كونها تعد تهديداً للأمن القومي العربي إلى دولة صديقة ومتعاونة مع العرب. ورحّبوا كذلك في أن تكون تركيا عضواً مراقباً في جامعة الدول العربية، كما تولت شخصية تركية الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر (التعاون لاحقاً) الإسلامي، وغير ذلك من الخطوات والمواقف الإيجابية؛ لكن الغمامة سرعان ما انقشعت عن مشروع يستهدف الهيمنة على المنطقة من المحيط إلى الخليج، وليس إقامة علاقات تعاون في ظل احترام متبادل. وهذا ما قلب ظهر المجنّ على تركيا؛ حيث ساءت علاقاتها مع العرب جميعاً باستثناء دولة أو اثنتين.
ومن المظاهر الأخيرة لفشل السياسات الخارجية التركية تجاه المنطقة العربية والإسلامية هو تردد تركيا في تقديم اقتراح لجعل اللغة التركية لغة رسمية في منظمة التعاون الإسلامي وفقاً لمندوب تركيا الدائم فيها في شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي قبل أيام. والأهم أن هذا التردد ناتج، برأي المندوب، عن شعور بأن الطلب سيواجه برفض الدول العربية. وهو ما يجعل تركيا تلجأ إلى طلب دعم من أذربيجان ودول تتكلم لهجات تركية في آسيا الوسطى؛ لتمرير مثل هذا الطلب.
ينطبق على سياسات تركيا الخارجية المثل القائل والذي يحلو لأردوغان تكراره، وهو أن «من طرق الباب سمع الجواب». وإذا كان من جهة ينطبق عليها هذا المثل فهو تركيا نفسها التي ينطبق عليها مثل عربي آخر، وهو «على نفسها جنت براقش». وبدلاً من التعاون الذي فيه مصلحة للجميع، فضّل النظام التركي أولوية أطماعه؛ فسمع الجواب وجنى على نفسه وعلى شعبه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"