هل أصبح المطلوب إلغاء فلسطين؟

03:56 صباحا
قراءة 3 دقائق

يبدو أن المرحلة الراهنة في قضية فلسطين قد نضجت إلى درجة بدأت تعبّر بها عن الخواتيم المنطقية لهذه المرحلة .

لكن خواتيم هذه المرحلة لا يمكن فهمها، من غير استعراض موجز لطبيعة ميزان القوى، كما وصلت إليه الحال في هذه المرحلة الراهنة:

1- تبلور التخلي العربي عن أي دور في الصراع الدائر حول قضية فلسطين، إلى درجة أن الصراع قد أسقط عن نفسه منذ سنوات اسم الصراع العربي الإسرائيلي، وأصبح يحمل اسم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي .

2- تبلور التحولات السلبية في مسار النضال الفلسطيني، إلى درجة التخلي عن آخر أوراق القوة في حركة التحرر الوطني الفلسطينية، بدليل أن السلطة الفلسطينية التي تعمل في أسوأ ظروف تاريخية للوحدة الوطنية الفلسطينية (انقسام الضفة الغربية وغزة)، هذه السلطة لا تكف عن التكرار أنها لم تعد تملك للمضي قدماً في قضية فلسطين، إلا المفاوضات، ثم المفاوضات، ثم المفاوضات .

3- على الجانب الإسرائيلي، وصلت الأمور إلى حد أعلى نسبة تاريخية من سيطرة اليمين السياسي المتطرف على المجتمع الإسرائيلي، وهو يمين أصبح لا يرضى بأقل من شعار يهودية دولة إسرائيل، ولا تقف طموحاته الاستيطانية عند حد، حتى لو وصلت إلى حد استيطان كامل التراب الفلسطيني .

4- على الجانب الدولي، فقد وُصِف رئيس الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي ل إسرائيل، في خطابه الأخير المتعلق بقضية فلسطين في الأمم المتحدة، بأنه الأكثر صهيونية بين رؤساء الولايات المتحدة، منذ قيام إسرائيل . علماً أن المطلوب إسرائيلياً لايزال المزيد ثم المزيد، بدليل أن التطرف الصهيوني لأوباما، لم يضمن له حتى الآن أصوات اللوبي اليهودي في المعركة الرئاسية المقبلة .

5- الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا، مازالت تسير في ركاب الولايات المتحدة في إطار قضية فلسطين .

إن صورة كهذه لميزان القوى الاستراتيجية الحالية في الصراع، كفيلة بأن تزيل أي إحساس بالدهشة، إزاء الهجمة الأمريكية الإسرائيلية في مجلس الأمن، ثم في منظمة اليونيسكو، لمطاردة شبح فلسطين قبل أن يتحول إلى كيان سياسي معترف به دولياً، حتى في حدود الحد الأدنى الجغرافي، وحتى في حالة رضوخ الكيان الفلسطيني الكامل، كما هو الوضع حالياً، لتحكم كامل من الكيان الصهيوني .

إن من يراقب شراسة الاندفاع الأمريكي الإسرائيلي في قاعات مجلس الأمن، ثم في قاعات منظمة اليونيسكو الدولية، لا يشك لحظة واحدة في أن المطلوب أمريكياً وإسرائيلياً، وسط إغراءات الغياب العربي الكامل عن الصراع، والتخلي الفلسطيني الكامل عن كل أوراق القوة، هو إلغاء فلسطين سياسياً وثقافياً، حتى ينفرد الكيان الصهيوني وحده بساحة فلسطين التاريخية، وتتم بعد ذلك تسوية ما ينتج عن ذلك من مشكلات، عن طريق حلول إنسانية للاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم . أي أن المطلوب، مادام الضعف العربي والضعف الفلسطيني يسمحان بذلك، وليست لديهم قدرة على الاعتراض، هو ليس فقط إلغاء فلسطين التاريخية، بل إلغاء ما أمكن من الملامح الثقافية والحضارية لشعب فلسطين، حتى لا يشكل في المستقبل القريب أو البعيد، أي تهديد للكيان الصهيوني الذي يفترض أنه قد حل نهائياً وكلياً محل فلسطين التاريخية .

ليس غير هدف إلغاء فلسطين، وتفتيت شعبها، ما يفسر تلك الشراسة التي انقض بها النفوذ الأمريكي على الدول الأعضاء في مجلس الأمن، لإلغاء احتمال قبول فلسطين دولة كاملة العضوية في المؤسسة الدولية، ثم انقضاض هذا النفوذ بالشراسة نفسها على الدول الأعضاء في منظمة اليونيسكو، حتى لا تنال فلسطين مقعداً كاملاً في المنظمة .

إن الغياب العربي الكامل عن الصراع، والضعف الفلسطيني الكامل في الصراع، هما المسؤولان عن وصول الصراع إلى هذه المرحلة التي لم تعد فيها واشنطن وتل أبيب، تخشيان من إعلان الرغبة الصريحة في إلغاء فلسطين وتفتيت شعبها، وسيبقى هذا الخطر يتهدد فلسطين وشعبها إلى أن تلوح في الأفق ملامح تحرك عربي، وتحرك فلسطيني، لتغيير ميزان القوى الحالي في الصراع .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"