هل تلبّي حكومة ميركل طموحات ماكرون؟

03:41 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. غسان العزي

لم تأت الانتخابات التشريعية الألمانية في سبتمبر/‏‏أيلول الماضي بأغلبية برلمانية، تتيح لأي من الأحزاب الفائزة تشكيل حكومة بمفرده. وكان على أنجيلا ميركل مكابدة عناء أشهر طويلة من المفاوضات مع الأحزاب الأخرى، بغية تشكيل ائتلاف حاكم، وإلا فالبديل إعادة الانتخابات مع ما تحمله من خطر تراجع جديد للحزبين التقليديين لمصلحة اليمين المتطرف.
وبعد أشهر ستة من حبس الأنفاس في ظل حكومة تصريف الأعمال صدرت عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، نتيجة استفتاء كوادره وحزبيّه الذين وافق 66% منهم على دخول حزبهم في ائتلاف حكومي مع الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة ميركل. وهكذا في 14 مارس/‏‏آذار المنصرم جدد البوندستاغ (البرلمان الألماني) للمستشارة ميركل لولاية رابعة.
حدث ذلك في اليوم نفسه الذي كان يصوت فيه الإيطاليون في انتخابات تشريعية جاءت نتيجتها لتغرق البلاد في المجهول، بسبب العجز عن تشكيل حكومة ائتلافية نتيجة التباعد الواضح بين سياسات وبرامج الأحزاب الفائزة، التي لا يمتلك أي منها الأغلبية البرلمانية. ويبدو أن ذلك قد أضحى ظاهرة أوروبية، فالأغلبيات البرلمانية باتت شيئاً صعب المنال في معظم الدول الأوروبية.
في عودة إلى ألمانيا تنفس الجميع الصعداء غداة تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة ليس في ألمانيا فحسب؛ ولكن في الدول الأوروبية الأخرى وفرنسا على وجه التحديد. فالرئيس ماكرون ألقى خطاباً مهماً في سبتمبر/‏‏أيلول الماضي في جامعة السوربون، أطلق خلاله مشاريع ومقترحات عملية لتفعيل الاتحاد الأوروبي، وهي في جلها موجهة لألمانيا، التي من دونها هي وفرنسا، لا حياة للاتحاد الأوروبي.
والخبر الجيد لماكرون الذي سارعت ميركل ووزير ماليتها الجديد أولاف شولز، لزيارته في الإليزيه في 16 مارس/‏‏آذار، هو أن الحكومة الألمانية الجديدة وضعت عنواناً لبرنامجها، هو «انطلاقة جديدة لأوروبا، دينامية جديدة لألمانيا، تماسك جديد لبلدنا». ولكن هل تمتلك الحكومة الألمانية إمكانية الوفاء بوعودها؟
بداية لا بد من التذكير بأن الحزبين التقليديين الاشتراكي الاجتماعي، والمسيحي الديمقراطي، حققا في الانتخابات الأخيرة أسوأ نتائج لهما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وخسرا مجتمعين 17% من الأصوات بالمقارنة مع نتائج انتخابات العام 2013.
وبالتالي فمن المتوقع أن يعمل الحزبان على إعادة ترتيب صفوفهما أكثر منه على إعادة إطلاق العجلة الأوروبية أو غير ذلك من المشاريع التي لا تحظى بشعبية كبيرة. وعلى يمين ميركل طامحون لخلافتها، يستغلون سياساتها المتساهلة مع الهجرة والداعمة لأوروبا. وبرلين غير متحمسة تقليدياً للانخراط في تشكيل عسكري أوروبي، أو قوة ضاربة أوروبية حقيقية، وبالتالي فإنها لن تستطيع تلبية طموحات ماكرون حول الاتحاد الدفاعي.
من جهتهم يرفض الاشتراكيون الاجتماعيون، الخضوع لإملاءات واشنطن وحلف الأطلسي حول زيادة الإنفاق الدفاعي ليصل إلى اثنين في المئة من الناتج الإجمالي القائم، كما لا ينفك يطالبهم الرئيس الأمريكي ترامب. والأمر نفسه ينطبق على مشروع ماكرون لدعم منطقة اليورو. فوزير المالية الألماني الجديد أعلن بأنه سيسير على خطى سلفه في ما يتعلق بالرقابة على الإنفاق وترشيده.
أما بالنسبة لمنطقة شينجن، التي من المطلوب حماية حدودها بعد موجات الهجرة المتعاقبة، فهو موضوع يختلف الأوروبيون حوله، وقد باتت ميركل عاجزة عن الاستمرار في سياساتها المتساهلة مع الهجرة، والتي كانت توفر على الأوروبيين الآخرين الكثير من الأعياء.
من المؤكد أن حكومة ميركل الرابعة ستكون جد مختلفة عن الثالثة، وقد تسلك سبيلها دون أن ينفرط عقدها، لكنها ستواجه الكثير من المطبات والعوائق وستعجز عن تلبية طموحات ماكرون الأوروبية، وستكون الولاية الأخيرة لميركل التي تكون بذلك قد حطمت الرقم القياسي في البقاء في الحكم، والذي سبق وحققه هلموت كول.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"