ولّى العام 2015 ومعه الثنائية الحزبية الإسبانية

03:28 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. غسان العزي

يبدأ الإسبان العام الجديد من دون أن تكون لديهم أي فكرة عن الحكومة التي ستتولى زمام أمورهم، ولا ما إذا كان رئيس الوزراء ماريانو راخوي سيبقى في السلطة، أو ما إذا كان ثمة ائتلاف يساري بقيادة الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني هو الذي سيشكل الحكومة الجديدة، أو ما إذا كانوا سيضطرون للعودة إلى صناديق الاقتراع في مايو/أيار المقبل، كما فعل الأتراك قبلهم.

في انتخابات 20 ديسمبر/كانون الأول حصل حزب رئيس الوزراء المحافظ راخوي على 28,7% من الأصوات (130 مقعداً من أصل 350 عدد أعضاء البرلمان) في مقابل 44,6% العام 2011. ووصل خلفه الحزب الاشتراكي العمالي بنسبة 22% (تسعون مقعداً في مقابل 110 مقاعد العام 2011) ثم حزب اليسار الراديكالي بوديموس (نستطيع)، المولود في العام 2011، بنسبة 20,6% أي 69 مقعداً، في حين نال حزب سيودادانوس (المواطنون الجدد) الوسطي، وهو حديث الولادة أيضاً، 23,93% أي أربعين مقعداً. وهكذا كما هو واضح، لن يتمكن أحد من تشكيل الحكومة بمفرده، ما يعني بأن الحزبية الثنائية، التي تحكم إسبانيا منذ وفاة الجنرال فرانكو في العام 1982، انهارت ومعها الاستقرار السياسي الذي قام على تناوب السلطة ما بين اليمين واليسار المعتدلين.

ما حصل إذاً، هو انقلاب سياسي بكل معنى الكلمة يفتح حقبة سياسية جديدة معقدة وعصية على الإدارة والتوقع. والأحزاب السياسية الجديدة التي فرضت نفسها - تحديداً بوديموس إلى اليسار وسيودادانوس في الوسط - ستفرض تغييراً في قواعد اللعبة، لاسيما لجهة النظام الانتخابي الذي كان يعاقبها. وتتميز إسبانيا عن غيرها من الدول الأوروبية بغياب المتطرفين، يميناً ويساراً، والمناهضين لأوروبا والقوميين المتعصبين والمعادين للمهاجرين، عن المشهد الحزبي. هذه الأحزاب الجديدة هي التي تسببت بهذا الانقلاب لأن الحزبين الرئيسيين، الشعبي والاشتراكي، وصلا كالعادة، إلى المركزين الأول والثاني. لكن هذه المرة لم يحصل أي منهما على الأغلبية الضرورية لتشكيل حكومة، وسوف يكون مضطراً للتفاوض مع أحزاب أخرى في عملية ستكون صعبة ومعقدة بسبب الشروط والشروط المضادة التي بدأت تفرضها هذه الأحزاب.
الحزب الشعبي الحاكم (يمين الوسط) خسر ثلاثة ملايين صوت مقارنة بانتخابات العام 2011، والحزب الاشتراكي خسر مليون ونصف مليون صوت، ما يدل على أن الرأي العام يريد التغيير والتجديد. وهذا التراجع يسير في سياق متصل، ففي العام 2008 حصل الحزبان معاً على 48% من الأصوات، وفي العام 2011 على 73%، وفي 20 ديسمبر/ كانون الأول المنصرم تراجعت هذه النسبة إلى 50% (أي 60% من المقاعد في مقابل 84% العام 2011).
ويضاف إلى الهوة القائمة ما بين اليمين واليسار مع أغلبية يسارية هجينة تتضمن حزباً انفصالياً في كاتالونيا أو الباسك، شرخ جديد في المشهد السياسي يتعلق بالاستفتاء في كاتالونيا حول استقلالها أو حكمها الذاتي. فقط بوديموس من الأحزاب الكبرى يقترح مثل هذا الاستفتاء مع رفضه لفكرة انفصالها عن الوطن الإسباني الأم.

لقد نجح رئيس الوزراء ماريانو راخوي في اخراج إسبانيا من أزمة مالية مستعصية عبر إجراءات تقشفية غير شعبية عرضته للعقاب الشعبي في الانتخابات. ورغم تراجع شعبيته وفضائح الفساد التي لاحقته وحزبه إبان الحملة الانتخابية، إلا إنه نجح في الاستحواذ على قدر من المقاعد يعيق قدرة غيره على تشكيل الحكومة، كما أن الأغلبية التي يمتلكها في مجلس الشيوخ تشكل عقبة هي الأخرى. يمكن له الاعتماد على عزوف نواب سيودادانوس الأربعين وبعض نواب الحزب الاشتراكي عن التصويت في جلسة الثقة كي يتمكن من تشكيل حكومة وتمريرها أمام البرلمان. ولكن وإن نجح في ذلك فإن حلمه في تشكيل «حكومة مستقرة» يبدو منذ اللحظة بعيد المنال. وبالنسبة للحزب الاشتراكي، الذي أعلن زعيمه بدرو سانشيز أنه لن يتعاون مع راخوي، فإن قسماً منه يريد تشكيل حكومة يسارية مهما كان الثمن، في حين أن قسماً آخر يفضل أهون الشرين، وهو السماح للحزب الشعبي بتشكيل حكومة ضعيفة غير مستقرة. وهناك ضغوط من خارج الحزب لتشكيل ائتلاف واسع على الطريقة الألمانية يهيمن عليه الحزب الشعبي ويكون قادراً على تفادي عدم الاستقرار الذي سينعكس سلباً على أسواق المال والبورصة، وبالتالي على الوضع المالي والاقتصادي في البلاد، والتي عانته قبل العام 2011 إلى درجت أنها اقتربت من الإفلاس.

الفائز الأكبر في هذه الانتخابات هو أستاذ العلوم السياسية بابلو ايغليزياس (37 عاماً) الذي يدخل وحزبه بوديموس في الحياة السياسية من دون تجربة سابقة آتياً من صفوف المجتمع المدني ليعلن: «هذا البلد تغير، لن يكون هو نفسه من الآن وصاعداً»، كذلك ألبرت ريفيرا (38 عاماً) زعيم حزب سيودادانوس الوسطي. كما ان الأحزاب الانفصالية، في الباسك وكاتالونيا وجزر الكاناري، باتت قادرة على فرض شروطها رغم المقاعد القليلة التي حصلت عليها، إذ إنها أضحت منذ اللحظة محل إغراء وتجاذب من قبل الحزبين الكبيرين اللذين يجهدان لتشكيل تحالف يستطيع العبور بحكومة جديدة أمام مجلس النواب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"