“جنيف - 2” يستعيد بيان جنيف المنسي

05:34 صباحا
قراءة 4 دقائق

الأخبار والتقارير عن مؤتمر جنيف السوري تطغى على كل أخبار وتقارير إقليمية ودولية . ما يحدث في سوريا يرتدي بالفعل أبعاداً إقليمية ودولية . المؤتمر العتيد من المزمع عقده في المدينة السويسرية أواسط يونيو/ حزيران الجاري من دون أن يكون ذلك مؤكداً بصفة نهائية . الأطراف المدعوة إلى الاجتماع تضم روسيا والصين إلى أمريكا وتركيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والجامعة العربية . روسيا تدعو إلى انضمام إيران إلى الاجتماع، من دون أن تلقى الدعوة قبولاً حتى تاريخه . في واقع الأمر أن الدول المدعوة هي المسماة مجموعة العمل من أجل سوريا التي اجتمعت قبل نحو عام في جنيف وخرجت بوثيقة أو بيان جنيف ولم تكن إيران بين هذه الدول . أما الطرفان المضافان إلى هذا المؤتمر فهما الحكومة والمعارضة السورية .

المؤتمر إذا قيض له الانعقاد خلال الشهر الجاري، فإن الآمال بنجاحه ضعيفة . يعود ذلك إلى تباعد مواقف الفرقاء، وغياب إرادة دولية أو توافق دولي لوضع حل سياسي . والأسوأ من ذلك هو غياب أي توجه يقضي بوقف الصراع المسلح، وحتى بوقف إطلاق النار . ومن الملاحظ أن وتيرة العنف اشتدت منذ اتفق وزيرا خارجية روسيا وأمريكا على عقد المؤتمر، وبذلك فإن النتيجة الأولى الملموسة لهذا المؤتمر وقبل أن يعقد هي رفع العنف إلى مستوى أكثر ضراوة .

بينما دعت وثيقة جنيف الصادرة في الثلاثين من يونيو/حزيران 2012 إلى وقف دائم للعنف المسلح، فإن هذه الدعوة لم تتم مواكبتها والسهر على ضرورة تنفيذها خلال الأشهر المنصرمة . ولم يتم توجيه ضغوط على الأطراف للتقيد بهذه الدعوة . يتكرر الأمر الآن وقبل ما يُفترض بأسبوعين على التئام مؤتمر جنيف 2، إذ يجري النظر إلى الصراع في سوريا وعلى سوريا، على أنه مجرد صراع قوى، وصراع سياسي مفتوح لا غير، مع إغفال ما تتعرض له سوريا من تدمير مطّرد وما يتعرض له السوريون من استنزاف مستدام . وقف إطلاق النار لا يتقدم في الأولويات الفعلية والمعلنة للأطراف الرئيسة، ويكاد لا يأتي أحد على ذكره، لهذا فإن المؤتمر لا يثير كبير اهتمام، فثمة نقاشات علنية متطايرة وشبه يومية بين الأفرقاء الإقليميين والدوليين، ولن يضيف وضع طاولة تضم المتناقشين الكثير إلى المشهد، باستثناء زيادة وتيرة الجدل والتصريحات .

أما الدخول في تفاصيل عملية الانتقال ومراحلها، والعملية السياسية بقيادة سورية، فقد يستغرق التداول فيها أسابيع لا أياماً، هذا علاوة على احتمال حدوث انسحابات .

يدرك المرء أن عقد مؤتمر كهذا يعكس حصيلة التوافق الدولي، وأنه لا بديل سياسياً عنه . ومن المهم الدفع نحو إنجاحه ولو بعض نجاح، حتى لا يسوء الوضع أكثر داخل سوريا وفي الإقليم . وإن جمع الحكومة السورية والمعارضة على طاولة واحدة، والانتقال إلى تنظيم أول حوار مباشر بينهما سيمثل بحد ذاته اختراقاً، كما تحدث الجمعة وزير خارجية العراق الذي ستحضر بلاده المؤتمر . لكن جدية هذه الارتسامات سوف تظل منوطة بإرادة اللاعبين الكبار: روسيا وأمريكا أولاً، ثم الصين والاتحاد الأوروبي ثانياً، وهم من يمثلون جميعاً نادي الكبار (مجلس الأمن)، فإلى غياب التوافق الدولي فإن ما أثخن الجرح السوري، هو غياب إرادة الحوار بين الفريقين الداخليين . وحتى كتابة هذه الأسطر فإن الائتلاف المعارض لم يكن قد أقر بعد مبدأ مشاركته، وإن كانت هذه المشاركة مرجّحة . ومع غياب إرادة الحوار التي اتسم بها هذا الصراع منذ بدايته في مارس/آذار 2011 ، فإن البديل الوحيد هو ممارسة ضغوط خارجية على المتنازعين لدفعهم أولاً إلى التواصل المباشر، ثم رسم أفق واضح للحوار، وهو ما تضمنته وثيقة جنيف، لكن ترتيب الأولويات وتحديد الجدول الزمني سيظل مدار جدل كبير .

الأنظار تتطلع الآن إلى الاجتماعات التمهيدية التي تعقد يوم الخامس من يونيو/حزيران وستحدد في الأغلب مصير المؤتمر . اقتصار هذه الاجتماعات على أمريكا وروسيا والأمم المتحدة يضفي طابعاً عملياً عليها . المساومات الخفية على أمور تتعدى الأزمة السورية ومنها نشر الصواريخ والدروع الصاروخية في أوروبا، وعدم التدخل في شؤون روسيا الداخلية، والحؤول دون نشوب حرب جديدة في الشرق الأوسط، هو ما سيحدد مصير هذه الاجتماعات . وسوف تتوافق بقية الأطراف على ما يتوافق عليه الكبيران، حتى لو احتفظت كل دولة من الدول التي ستشارك في المؤتمر بآرائها الخاصة . تصريحات الوزير الأمريكي جون كيري عن أهمية دور روسيا، وتأكيده مشاركة الائتلاف المعارض (رغم تصريحات معاكسة تصدر عن الائتلاف)، تشي بأن واشنطن عازمة بصورة ما على إنجاح المؤتمر بعد انسداد آفاق أية حلول أخرى . فيما تتفادى موسكو الحديث عن مضمون أي حل سياسي، وتكتفي بالتركيز على مبدأ الحل السياسي .

في هذه الأثناء، في هذه الأيام من بداية يونيو/حزيران تشتد محنة السوريين في الداخل والخارج . انتهاء محنتهم مرهون بإرادة دولية . الوقت لا يضغط على الآخرين إلا من زاوية معنوية، من زاوية صورة الأهلية السياسية لقادة كبار في إدارة الصراعات الإقليمية وإحلال التوافق عليها . المصالح الأمريكية والروسية لم تمس نتيجة الأزمة، ولا تأثرت الدولة الصهيونية، فلماذا الاستغراب؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"