أردوغان.. أزمة مع روسيا وعدوان على سوريا

03:10 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فراج أبو النور *

يخيم توتر شديد على أجواء العلاقات الروسية - التركية، مع تواصل العمليات العسكرية السورية الناجحة في محافظة إدلب، والقوس الممتد بين جنوب وغرب مدينة حلب وأريافها، ومع تصاعد التصريحات النارية والتهديدات التي يطلقها أردوغان وغيره من المسؤولين الأتراك، خاصة منذ مصرع ثمانية جنود من القوات التركية بالقرب من مدينة سراقب، في قصف لقوات الجيش السوري «الاثنين 3 فبراير/شباط الجاري».
تأتي تصريحات وتهديدات أردوغان مصحوبة بتدفق غير مسبوق للحشود العسكرية التركية على المناطق الحدودية، وإلى داخل الحدود السورية في محافظتي حلب وإدلب، من دبابات وعربات مدرعة وغيرها من الآليات العسكرية.. وتشير التقارير إلى دخول أكثر من ألف آلية عسكرية تركية إلى الأراضي السورية حتى صباح الاثنين «10 فبراير» منها أكثر من 1100 إلى مدينة إدلب وحدها، بينما توزعت بقية الآليات و«الذخائر» على نقاط المراقبة التركية في المنطقة.
وأعلن أردوغان أن القوات السورية و«الحليفة» إذا لم تنسحب من المناطق التي استعادت السيطرة عليها بحلول نهاية شهر فبراير الجاري، فإن القوات التركية ستقوم بطردها بالقوة!

إنجازات سورية وغضب تركي

غضب أردوغان مفهوم بالطبع.. فالإنجازات التي حققتها القوات السورية والحليفة مثلت تغييراً استراتيجياً لمصلحتها في إدلب وفي حلب وأريافها.. وتعرضت الفصائل الإرهابية الموالية لأردوغان لهزائم قاسية وخسائر بشرية فادحة.. أما إحكام الحصار على 6 نقاط مراقبة تركية- ولو أنه من دون قتال- ومصرع الجنود الأتراك الثمانية بصورة أخص، فهما يمثلان هزيمة معنوية لها مرارتها الخاصة بالنسبة لأردوغان.
والمعارك لا تزال مستمرة، ويحقق الجيش السوري فيها مكاسب جديدة كل يوم، ومن شأن هذا إضعاف أوراق أردوغان في إدلب وسوريا؛ بل ويهدد بانتزاعها من يده.. وفي هذا هزيمة كبرى له بلا أدنى شك.
وإذا كان الأمر كذلك.. وإذا كان أردوغان يرسل حشوداً في المنطقة، فلماذا يجعل إنذاره لدمشق مؤجلاً، ويؤخر تنفيذه إلى نهاية فبراير؟! هل ينتظر حتى يحقق الجيش السوري مزيداً من التقدم، ثم يبدأ في طرده؟! الواقع أن هذا كله يلقي بظلال من الشك على جدية تهديدات أردوغان وإنذاراته.. ولماذا يعود فيتحدث عن رغبته في البحث عن حل سياسي وعدم اللجوء للحل العسكري؟ وكيف ينسجم هذا مع لغة الإنذارات؟

العقبة الروسية

الواقع أن المشكلة الكبرى التي تواجه أردوغان في إدلب وحلب- وفي سوريا عموماً- هي الوجود العسكري الروسي والاحتمالات الكبيرة-؛ بل الغالبة- للاصطدام به في حالة قيامه بشن هجوم واسع على القوات السورية هذا من ناحية، والمصالح الكبرى القائمة بين أنقرة وموسكو من ناحية ثانية، في ظل التدهور الواضح لعلاقات أنقرة بالغرب.. ومن ناحية ثالثة فإن الجيش السوري قد أصبح قوة عسكرية تحمل أردوغان على التفكير مرتين قبل الاصطدام بها.. فضلاً عن وجود عشرات الآلاف من الميليشيات الحليفة لسوريا، كالمستشارين والخبراء الإيرانيين.
ومعروف أن بوتين كان قد زار دمشق قبل العمليات العسكرية الأخيرة، وأبدى دعمه لسوريا، معلناً أنه لا يمكن السماح بأن تبقى إدلب مرتعاً للإرهاب الذي يهدد السلام والأمن في المنطقة والعالم.. وجاءت الزيارة عشية توجهه إلى تركيا؛ لتدشين خط أنابيب الغاز «السيل التركي» في رسالة فحواها أن الكرملين غير مستعد لمقايضة مصالحه مع تركيا، بالتصفية الضرورية للإرهاب في إدلب.. ولا للصبر من دون حدود على مراوغات أردوغان في تنفيذ التزاماته بموجب اتفاق سوتشي الخاص بها.
ولا ينبغي أن ننسى أيضاً أن روسيا قد لعبت دوراً بالغ الأهمية في «تحجيم» عملية «نبع السلام» التركية في منطقة شرق الفرات السورية «أكتوبر/‏تشرين الأول 2019» وحمل تركيا على قصرها على المنطقة الممدودة بين مدينتي رأس العين وتل أبيض (نحو 120كم) وبعمق 20 كم، بعد أن كانت تريد غزو الحدود الشمالية السورية شرقي الفرات بالكامل «أكثر من 450كم».. كما ساعدت القوات الروسية نظيرتها السورية في القيام بعملية نقل بالغة الضخامة لوحداتها؛ لتسيطر على الجزء الأكبر من منطقة شرقي الفرات بما فيها مدن كبرى كالحسكة والقامشلي والرقة، فضلاً عن الجزء الأكبر من الحدود السورية- التركية، لتبرهن موسكو مرة أخرى على أنها قد أصبحت اللاعب الرئيسي في سوريا.

مصالح متناقضة ومتشابكة

التناقض الأساسي بين الدور الروسي والتركي في سوريا كان واضحاً منذ اللحظة الأولى، وسببه التوتر الذي أدى إلى إسقاط أنقرة للطائرة العسكرية الروسية على الحدود السورية (24 نوفمبر/‏تشرين الثاني 2015). وهو ما أدى إلى عقوبات اقتصادية روسية بالغة القسوة ضد تركيا، اضطرت أردوغان للسفر إلى موسكو للاعتذار، وبدء مرحلة من التعاون لا تنفي تناقض المصالح- والدخول بعد ذلك في مسار أستانا- ثم اتفاقات سوتشي كما ما هو معروف.. ولسنا بحاجة إلى القول إن التناقضات الكبيرة بين نظام أردوغان والولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى- بالرغم من عضوية تركيا في الناتو- كانت السبب الرئيسي من اقترابه من روسيا، بالرغم من إعاقتها لأحلامه التوسعية في سوريا، خاصة بعد المعلومات المخابراتية الروسية التي ساعدته في إحباط انقلاب يوليو/‏تموز 2016.
وتطورت العلاقات بسرعة خلال السنوات الماضية ليصل التبادل التجاري إلى نحو 25 مليون دولار ولتصل السياحة الروسية في تركيا إلى أكثر من خمسة ملايين سائح «2019».. وليتم مد خط «السيل التركي» للغاز الطبيعي من أنبوبين أحدهما لتركيا والثاني للبلقان بطاقة «31.5 مليار م3/‏ مناصفة» وليتم بدء إقامة محطة «أكوبو» للطاقة النووية جنوبي تركيا.. ثم ليتم تزويد تركيا بصواريخ «S-400» الروسية، الأمر الذي أثار غضب واشنطن وعواصم «ناتو».

هدوء روسي

خلاصة القول، إن غضب أردوغان بسبب التطورات الأخيرة، جعله يطلق الانتقادات ضد «روسيا» و«المكايدات» من قبيل عدم اعترافه بضمها للقرم أثناء زيارته الأخيرة لأوكرانيا.. لكن من الصعب أن تجعله يمضي إلى الصدام معها، والمغامرة بمصالحه الضخمة معها، خاصة على ضوء اعتبارات القوة العسكرية السابقة الإشارة إليها «بما فيها القوات السورية والميليشيات المؤيدة لها».. ومن ثم بكل أوراقه في سوريا.
أما روسيا فهي تقابل تهديدات أردوغان وإنذاراته بهدوء، ولا تلجأ للتصريحات الصاخبة..

* كاتب ومحلل سياسي - خبير في الشؤون الروسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"