استعادة الشغف بالحياة

02:57 صباحا
قراءة 7 دقائق


**استطلاع: نجاة الفارس

أما آن الأوان لإصدار مؤلفات موجهة لفئة أصحاب الهمم سواء على الصعيد الأكاديمي، أو على الصعيد التثقيفي العام؟ ولماذا لا نستفيد من التجارب العالمية في هذا المجال؟ ولماذا لا يكون التأليف أكثر تخصصية لمواكبة الاحتياجات الفعلية لهذه الفئة؟ فلعلّ تقديم نموذج أدبي يشارك أصحاب الهمم حالاتهم المختلفة ثم ينتصر على تحدياته، واضعا اسمه وبصمته، يشكل حافزاً كبيراً لا يقتصر تأثيره في أصحاب الهمم وحسب، بل في كل شرائح المجتمع.
لقد بات من الضروري تأليف كتب تناسب أصحاب الهمم وفقاً لاحتياجات كل فئة منهم، و إطلاق جوائز سخية لتشجيع الكتّاب على هذه المهمة العظيمة، ونحن كمجتمع بحاجة ماسة إلى مثل هذه الأعمال التي يمكن التعويل عليها لحل جزء من مشكلة كبيرة تؤرق المجتمع على المستوى الإنساني والاجتماعي والاقتصادي، فالإمارات دولة تدرك أهمية الدبلوماسية الثقافية، وتمارسها بذكاء وبأجندة مبتكرة من بين دول عظمى قليلة في العالم اليوم.
ولكن كيف نكتب لأصحاب الهمم؟ وما مدى ضرورة إصدار مؤلفات موجهة لهذه الفئة؟ وما نوعية الكتب التي يجب أن تتوفر لهم؟ أسئلة تراود الفكر، ويجيب عنها عدد من الكتّاب والمثقفين خلال الاستطلاع التالي:


حقوق

وعن أهمية الكتابة لأصحاب الهمم يقول الروائي ناصر عراق لا سبيل إلى الشك في أن أصحاب الهمم لهم حقوق كثيرة في أعناق المجتمع، وخاصة في مجال الأدب والإبداع، فهؤلاء الناس، لظروف قاهرة، تعطلت بعض حواسهم، أو فقدوا بعض أعضائهم، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى التعامل معهم برفق وذوق حتى يستردوا شغفهم بالحياة، ويتخففوا من أي نقمة تعتري مشاعرهم بسبب هذا العطل أو ذاك الفقد، كما علينا تحفيز طاقاتهم وتفجيرها لتنبثق من أرواحهم قدراتهم الخلاقة التي تتوافق مع إمكاناتهم الجسدية والعقلية.
من هنا يجب تخصيص جزء مهم من الإصدارات التي يكتبها المؤلفون لأصحاب الهمم هؤلاء، ويا حبذا لو انطلقت الجوائز السخية لتشجيع الكُتّاب على تأليف كتب تناسب أصحاب الهمم، وفقاً لاحتياجات كل فئة منهم، فالذين خسروا عيونهم غير الذين فقدوا أطرافهم، والذين توقف نموهم العقلي عند حد معين، غير أولئك الذين تعطلت حاسة السمع لديهم، وهكذا، من هنا ينبغي على الكاتب أن يحدد بالضبط إلى أي فئة من هؤلاء سيتوجه بكتاباته؟ حتى يتمكن من توصيل أفكاره وإنتاجه الأدبي بأسلوب يناسب هذه الفئة، لا ريب إذاً في أن الكتابة لأصحاب الهمم باتت أمراً حتمياً، خاصة أن الإمارات تولي اهتماماً استثنائياً بهؤلاء، فتعمل على توفير احتياجاتهم كافة، ليتعاملوا مع ظروفهم الاستثنائية بروح متصالحة محبة للحياة، كما يجب أن ننتبه إلى أن أصحاب الهمم ليسوا في أعمار واحدة، لذا ينبغي التنبه جيداً إلى الفروق العمرية والعقلية بينهم، فالطفل غير الصبي غير الشاب، فضلاً عن أن مستويات الاستيعاب والذكاء تتفاوت بينهم من واحد إلى آخر، وبذلك على الكاتب الحصيف أن يدرك ذلك جيداً، وهو يخط أفكاره وإبداعاته على الورق، باختصار إطلاق الجوائز سيعزز الكتابة لأصحاب الهمم بما يناسب احتياجاتهم النفسية والعقلية.


حاجة ماسة

وعن تجربته في الكتابة لأصحاب الهمم يقول الكاتب مجدي الشربيني: لدي اهتمام كبير بأصحاب الهمم، وقدمت لهم عدة أعمال، منها على سبيل المثال وليس الحصر: مسرحية «نحن هنا»، صدرت في شكل كتاب، ومسرحية «ليست النهاية»، ثم مسرحية قصيرة «إلا كرت الشحن»، وقُدمت على المسرح ولاقت إعجاباً كبيراً من الجمهور، ومسرحية «لا انكسار» للعرائس، قيد التجهيز للتقديم، كما كتبت قصيدة نثرية للأقزام، وقصة قصيرة كوميدية عن الأقزام باسم «القزم الشقي».
إن شخصيات تلك الأعمال المسرحية لا تقتصر على أصحاب الهمم فقط، بل دمجت معهم الأصحاء، وقد رأيت أن في ذلك عاملاً إيجابياً، فحين أضع أصحاب الهمم في عمل منفرد بعيداً عن الأصحاء، فكأني بذلك أرسخ داخلهم فكرة أنهم شريحة مختلفة من المجتمع، فمسرحية «نحن هنا»، على سبيل المثال، تدور حول رفع الروح المعنوية لأصحاب الهمم وإشراكهم في بناء المجتمع بشكل كامل، والاستفادة من إمكاناتهم وقدراتهم وعدم القبول بأن يظلوا عبئاً وعالة على المجتمع، من خلال «شوقي» الشخصية الرئيسية الكفيف والمقعد، ومع ذلك محب للحياة ومتفائل ويعمل على مشروع كبير يشرك فيه ليس فقط أصحاب الهمم، ولكن الأصحاء أيضاً، وبعد أن يحقق نجاحاً باهراً على المستوى الاقتصادي يُعين مستشاراً اقتصادياً للرئيس كسابقة أولى من نوعها في العالم، وبذلك كان له تأثيره الكبير في الجميع، حيث إنه أسقط أي عذر أو حجة لأي عاطل يزعم أنه لا يجد عملاً.
ويقول الشربيني في جميع أعمالي أؤكد فكرة دمج أصحاب الهمم في المجتمع، وجعلهم أشخاصاً فاعلين، والاستفادة من إمكاناتهم، لأن كثيرين منهم لديه مواهب وقدرات عالية لا تقل عن الأشخاص الأصحاء، ويحسن بنا استغلالها بشكل يفيدهم ويفيد المجتمع.


دور مفصلي

وبالنسبة لضرورة إصدار مؤلفات موجهة لأصحاب الهمم تؤكد الروائية إيمان اليوسف أن للأدب دوراً مفصلياً في التأثير في المجتمعات، ولطالما كان للكلمة المقروءة القدرة على تغيير نظرة القارئ للأمور وإعادة هيكلة القضايا، سواء على الصعيد الشخصي أو ما يشمل الوعي الجمعي، ومن هذه القضايا المهمة قضية أصحاب الهمم، لعله من الضروري أن ندرك أن أي محاولة لفصلهم أو تسليط الضوء عليهم كفئة منفصلة بعيدة عن المجتمع، هي بداية لخطوات لا تخدم قضيتهم، لا بد من دمجهم في المجتمع واستثمار طاقاتهم في الوقت ذاته.
نحن دولة تدرك أهمية الدبلوماسية الثقافية وتمارسها بذكاء وبأجندة مبتكرة من بين دول عظمى قليلة في العالم اليوم، ووفق دراستي لهذا التخصص الحديث، ووفق نظرية «تسويق الدول»، فإن الإمارات تبني هويتها اليوم من خليط قوي من التراث والحضارة والفلكلور ومعالجة مختلف القضايا، كتمكين المرأة ورعاية الطفولة والتعليم والصحة وأصحاب الهمم.
إن قضية أصحاب الهمم تنقسم إلى قسمين من وجهة نظري، تمكينهم كجزء فاعل في المجتمع واستثمار طاقاتهم، ثانياً، تسهيل دمجهم في المجتمع من خلال المرافق والخدمات ونشر التوعية اللازمة، فنحن بحاجة إلى إصدارات تخدم النوعين المذكورين، وهناك بالفعل من الكتاب الإماراتيين من كتب لأصحاب الهمم بطريقة تليق بهم وبقضيتهم، ومنهم عفراء البنا في مجموعتها القصصية الأولى «سرير أبيض»، كما كتبت نادية النجار عنهم للطفل في قصتها «أصوات العالم»، وإننا بالفعل بحاجة لهذا النوع من القصص التي تهدف إلى نقل واقع أصحاب الهمم بشكل واعٍ وصحيح إلى الطفل، ليكبر واعياً ومدركاً بدور هذه الفئة وبكيفية التعاطي مع قضاياهم ولزرع الاهتمام والوعي المجتمعي والإحساس بالمسؤولية تجاه الآخر منذ الصغر.


مواكبة الاحتياجات

يقول الدكتور والباحث محمد عيسى الحوراني رئيس قسم إعداد معلم اللغة العربية والتربية الإسلامية بجامعة العين: تنهض الإمارات بهذه الشريحة من المجتمع، وتقدم لهم فرصاً جمة لممارسة حقهم في التعليم في كافة المؤسسات وعلى جميع الصعد، وعلى ذلك فقد تكاتفت الجهود لدمج هذه الفئة في النظام التعليمي العام والخاص على المستويين المدرسي والجامعي، ومن النماذج الرائدة والراقية في هذا المجال توفير إدارة معنية في وزارة التربية والتعليم لمتابعة شؤونهم في المدارس، وكذلك احتضان جامعة العين لفئة مهمة منهم، وتخريجها أول دفعة مؤهلة منهم في العام الحالي في دفعة عام التسامح، وإبرام الجامعة اتفاقية مع مؤسسة زايد العليا، واضطلاعها بجهد نوعي في المسار التعليمي لهم.
ولقد آن الأوان لإصدار مؤلفات موجهة لهذه الفئة، سواء على الصعيد الأكاديمي، أو على الصعيد التثقيفي العام، والإفادة من التجارب العالمية في هذا المجال، على أن التأليف هنا يجب أن يكون أكثر تخصصية لمواكبة الاحتياجات الفعلية، وذلك عبر تقسيم هذه الفئة إلى شرائح حسب طبيعة الحالات التي يعيشونها، فطبيعة التأليف للكفيف تختلف عنها عند الأصم.
أما بالنسبة لكيفية الكتابة لأصحاب الهمم ونوعية الإصدارات التي يجب أن تتوافر لهم، فبعد أن نحدد الفئة المستهدفة لغايات التأليف، علينا أن نعي أن هناك أموراً عامة يشترك بها الجميع داخل الفئة وخارجها، وأن هناك أموراً تقنية تتعلق بآليات الكتاب وطبيعة لغته، فالأصم يستطيع أن يتعامل مع الكتاب وفق اللغة التي كتب بها، وهو يتكئ على لغة الإشارة، والكفيف يحتاج إلى ترجمة ذلك بلغة برايل، مع أن المحتوى قد يكون واحداً، وإذا كانت المؤلفات الأكاديمية والتعليمية لها الأولوية هنا، فيجب علينا ألا ننسى الحاجات الإنسانية للثقافة العامة، والتذوق الأدبي والفني.


تغيير


الكاتبة الدكتورة أمل التلاوي، تقول: الأدب مغيّر الأنفس ورافع الهمم، ذلك أنّ النصوص الملهمة التي تحتوي على تحديات لأشخاص من أصحاب الهمم، أو التي تقدم نماذج لشخصياتٍ تتخطى الصعوبات وتحقق الطموحات، كلّها ستكون جديرة باهتمام وقراءة أصحاب الهمم، إذ يلجأ الإنسان إلى الأدب عادةً كي يقرأ نفسه فيه، وكي يجد حالةً إنسانيةً مشتركة بينه وبين ما يقرأ، ولعلّ تقديم النموذج الأدبي الذي يشارك أصحاب الهمم حالاتهم المختلفة ثم ينتصر على تحدياته، واضعاً اسمه وبصمته، حافز كبير لا يقتصر تأثيره في أصحاب الهمم وحسب، بل على كل شرائح المجتمع، وأرى أنّ على الكتاب والمؤلفين أن يمنحوا كتب النشء والأطفال اهتماماً كبيراً في هذا الجانب، فاهتمام هذه القصص والكتب بأصحاب الهمم والدعوة إلى دمجهم وحبهم دون إشعارهم بالشفقة أو النفور هو مطلب مهم، خاصة في تلك المرحلة العمرية التي تتشكل فيها شخصية المرء وتوجهاته ومخزون ذكرياته.
الروائي سعيد البادي له وجهة نظر أخرى، يقول: قد تبدو فكرة تخصيص مؤلفات موجهة لأصحاب الهمم متعارضة مع الجهود الرامية لدمجهم في المجتمع وعدم معاملتهم معاملة تفضيلية، وقد تبدو الفكرة غير منطقية، لكن هناك من هؤلاء من قد يحتاجون إلى إصدار نسخ من المؤلفات الشهيرة على نظام برايل للمكفوفين مثلاً، أو الكتب الصوتية التي تمكن ذوي الإعاقة البصرية من الاستمتاع بالكتب، ومن هنا تأتي هذه الضرورة التي تتماشى مع جهود الدمج لفئة ذوي الإعاقة البصرية.
ويضيف: لا أعتقد أنه يجب أن تكون هناك إصدارات خاصة بأصحاب الهمم، فهم أشخاص طبيعيون، لكن يجب أن نتعامل معهم بحسب طبيعة ونوع الإعاقة التي تمنعهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، هناك بعض الحالات التي قد تتطلب كتباً أو مؤلفات خاصة، ولكن أعتقد أن لها علاقة بالعمر، وليس بأصحاب الهمم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"