الشعب السوداني يرسم طريق المستقبل

04:07 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أميرة محمد عبد الحليم

على الرغم من نجاح الاحتجاجات التي تجتاح السودان، منذ أكثر من أربعة أشهر في الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير في 11 إبريل (نيسان) الجاري، وبمساندة من الجيش السوداني، الذي قام بعزل الرئيس من منصبه بعد ثلاثة عقود من حكمه البلاد. وتشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولى السلطة في البلاد لمدة عامين، وإجراء مشاورات مع القوى السياسية لترتيب المرحلة المقبلة، لا يزال مستقبل السودان في مفرق الطرق.
لا يزال الاعتصام مستمراً أمام مبنى القيادة العامة للجيش في الخرطوم، والسؤال المطروح هو: هل سينجح المجلس العسكري الانتقالي في الاستجابة لمطالب المعتصمين وتطهير البلاد من الفساد؟ والانتقال إلى مرحلة جديدة من الحكم المدني لا تشمل أياً من رموز النظام السياسي السابق، وتخفيف أزمة اقتصادية تفاقمت في السنوات الأخيرة من حكم البشير.
فقد بدأ المجلس العسكري الانتقالي منذ توليه السلطة، في العمل على تنفيذ عدد من المطالب، التي دعا إليها المحتجون، فقد تم اعتقال البشير بعد وضعه تحت الإقامة الجبرية في 16 إبريل الجاري، وتم وضعه داخل سجن كوبر، ووجهت إليه النيابة العامة تهمتين، غسل الأموال وحيازة أموال دون مسوغ قانوني.
وبعد يومين من توليه حكم البلاد، أعلن المجلس العسكري الانتقالي عن حزمة قرارات تضمنت إعفاء وزير الدفاع عوض بن عوف من منصبه وإحالته إلى التقاعد. وكان الأخير قد أعلن تنحيه من منصبه كرئيس للمجلس العسكري الانتقالي، بعد أن اعتبره المحتجون امتداداً لنظام البشير، وهو من بادر بعزل الرئيس عمر البشير.
كما تضمنت القرارات أيضاً إعادة هيكلة جهاز الأمن والمخابرات، وإعفاء مسؤولين من ضمنهم: سفيرا السودان لدى واشنطن وجنيف. وتقرر تعيين أبو بكر مصطفى مديراً لجهاز الأمن والمخابرات.
وأصدر الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان قراراً في 17 إبريل الجاري خاصاً بإجراءات محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين، استناداً إلى توصيات ومقررات اللجنة الاقتصادية. ونص القرار على مراجعة حركة الأموال اعتباراً من الأول من إبريل بواسطة بنك السودان المركزي والإبلاغ عن أي حركة كبيرة أو مشبوهة للأموال عن طريق المقاصة أو التحويلات، ووقف نقل ملكية أي أسهم حتى إشعار آخر، والحجز على الأموال التي تكون محل شبهة.
كما شنت السلطات السودانية، حملات اعتقال واسعة شملت كبار المسؤولين من بينها إحالة ثمانية من كبار الضباط للتقاعد، كما اعتقلت السلطات عدداً من كبار مسؤولي حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً، في حين طلب النائب العام من مدير جهاز الأمن والمخابرات، برفع الحصانة عن أفراد يشتبه بقتلهم أحد المحتجين، وأعلن المجلس العسكري الانتقالي أنه قرر أيضاً، إحالة جميع من هم برتبة فريق بجهاز الأمن الوطني والمخابرات وعددهم ثمانية للتقاعد.
وشملت حملة الاعتقالات، مساعد رئيس الجمهورية عوض الجاز والأمين العام للحركة الإسلامية الزبير أحمد حسن، ورئيس البرلمان الأسبق أحمد إبراهيم الطاهر، كما تم وضع كل من رئيس البرلمان إبراهيم أحمد عمر، ومساعد رئيس الجمهورية الأسبق نافع علي نافع رهن الإقامة الجبرية.
ولطمأنة السودانيين وتجاوز حالة الإحباط والتوجس السائدة في السودان، أكد الفريق أول عبد الفتاح البرهان في مقابلة تلفزيونية، عن اتجاه المجلس لتنفيذ كل مطالب الثوار، وحرصه على نقل السلطة للمدنيين، وأن دور المجلس مكمل للثورة الشعبية، كما أعلن أن المجلس ليس متمسكاً بالسلطة، وأنه مستعد لتسليمها للمدنيين لكن في ظل توافق سياسي وأن القوى السياسية قدمت أكثر من مئة مبادرة لتشكيل المجلس الرئاسي المدني.
كما أعلن المجلس العسكري الانتقالي في السودان، أن حزب المؤتمر الوطني الذي كان ينتمي إلى الرئيس المعزول عمر البشير، لن يشارك في الحكومة الانتقالية المقبلة.
على الجانب الآخر، بدأت الشكوك تتسرب سريعاً إلى القوى الثورية فيما يتعلق بنوايا المجلس العسكري الانتقالي؛ حيث كان من المنتظر أن يعلن «تحالف قوى الحرية والتغيير» في السودان، وهو يمثل فصيلاً رئيسياً في الاحتجاجات تشكيل المجلس الرئاسي المدني يوم الأحد 21 إبريل الجاري، ثم أرجأت هذه القوى إعلان المجلس الرئاسي ليوم الخميس 24 إبريل (اليوم).
وقد جاءت قرارات «تحالف قوى الحرية والتغيير» عقب اجتماع مع المجلس العسكري الانتقالي يوم 20 إبريل الجاري، وتأكيدهم على أنهم الممثل الرئيسي للثورة، وأنهم لا يرفضون مشاركة كل طوائف الشعب السوداني في الحوار، ولكن يجب أن يكون تمثيل التحالف في هذا الحوار يعكس الوزن النسبي له كمهندس للثورة والاحتجاجات، خلال الأشهر الأربعة الماضية واشتماله على عدد كبير من الاتحادات ودوره الواضح في الإطاحة بالبشير.

ومن ناحية أخرى، ينتظر السودان العديد من الملفات التي تحتاج إلى الدعم الإقليمي، سواء العربي أو الإفريقي، فقد لوّح الاتحاد الإفريقي في 15 إبريل بتعليق عضوية السودان ما لم يتخلّ المجلس العسكري الانتقالي لصالح إدارة سياسية مدنية في غضون 15 يوماً. وكشف رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، عن مبادرة تقودها مصر مع دول الجوار للحيلولة دون تعليق عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي.
كما قام رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فكي بزيارة للسودان في 21 من إبريل الجاري، وعقد اجتماعاً مع البرهان وعدد من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. وأوضح أن زيارته للبلاد جاءت بطلب من مجلس السلم والأمن الإفريقي، وأكد أن الاتحاد الإفريقي على استعداد للعمل مع السودان خلال المرحلة الحالية، للتوافق المطلوب الذي يسمح بفترة انتقالية آمنة، وحكومة مدنية تهيئ المناخ لانتخابات حرة ونزيهة. كما أشار فكي إلى وجود بعض الخلافات - لم يحددها - بين الشركاء تحتاج إلى مزيد من الجهد.
واتجهت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات إلى تقديم حزمة من المساعدات وصل إجمالها إلى ثلاثة مليارات دولار أمريكي، 500 مليون منها وديعة في البنك المركزي، لتقوية مركزه المالي والمصرفي.
فالسودان يمر بمرحلة خطيرة في تاريخه السياسي، فعلى الرغم من تمكن الشعب السوداني من الانتصار على الاستبداد والإطاحة بالرئيس عمر البشير، وتحقيقه لهذا الانتصار بأدنى الخسائر، لا يزال الوصول إلى الاستقرار والحفاظ على مكاسب الثورة والاستمرار في تحقيق مطالب المحتجين يواجه بالعديد من التحديات، وأهمها مشكلات الوصول إلى التوافق السياسي بين مختلف طوائف الشعب، والذي يعده المجلس العسكري الانتقالي شرطاً لتسليم السلطة لمجلس مدني، وقد يكون الطريق إلى تحقيق أهداف الثورة والمطالب التي ضحّى من أجلها العديد من المحتجين بأرواحهم، يتطلب فتح حوار شامل بين مختلف القوى السياسية، على أن تتجاوز هذه القوى فكرة المكاسب الفئوية لتحقيق المصلحة الوطنية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"